شبح حرب اخرى في خضم حرب الموصل!

0

 ريبوار احمد:

    تتواصل بحمية الحرب من اجل السيطرة على الموصل والمناطق الاخرى التي تحت سيطرة داعش. وقبل ان تظهر علائم محددة لانتهاء هذه الحرب، يخمن مجمل المراقبون السياسيون ان هناك حروب اخرى ممكنة في خضم هذه الحرب. لقد بينت المعالم الاولية لاحد هذه الحروب عن نفسها قبل هذه التخمينات كثيرا. فاثناء المؤتمر الصحفي الذي جرى قبل شهر، ظهر مسعود البارزاني وحيدر العبادي بهيئة اناس موحدين امام الكاميرات ليزفوا للجميع بشرى بدء عمليات الموصل، وها هم يتخذون الخنادق ضد بعض.

    ان حديث مسعود البارزاني في المؤتمر الصحفي الذي جرى يوم 16 من هذا الشهر (تشرين الثاني) في مدينة بعشيقة كان اعلان الاستعداد الواضح لهذه الحرب. اذ قال :” لا اعرف اي مصيبة كبيرة ستمسك بخناقنا بعد داعش”، ولكن ينبغي ان نتصدى لاي تهديد باستعداد تام. ولكن حين تضع هذا الحديث بجنب الطرح التهديدي بانفصال كردستان وتاسيس دولة مستقلة، عندها يتبين ان ماوراء كلمات من مثل “لا اعرف اي مصيبة كبيرة ستمسك بخناقنا بعد داعش” اخفى (البارزاني) تهديد معروف في الحقيقة، محدد، مبرمج ومدروس. يظهر البارزاني تهديده كنوع من التنبؤ البارزاني، ولكن حين تضع عبارته “لا اعرف” جنب حديث اخر بخصوص “ان مجمل اراضي كردستان تقريبا قد حررناها، واتفقنا مع امريكا حول عدم تراجع قوات البيشمركة عن المناطق التي حرروها، واعلان دولة مستقلة…”، عندها يجب عدم اخذ “لا اعرف” على محمل الجد ولا اعتبار اي حساب لتنبؤه فيما يخص توقعه لـ”وضع مابعد داعش”. لقد حدد البارزاني المسالتين: موضوع وماهية تلك الحرب. يمكن القول انها حرب النزعة القومية الكردية والعربية حول تقسيم الاراضي والسلطة والمصادر الطبيعية. اذا نشبت تلك الحرب، فسيتم دون شك دفع الجماهير الناطقة بالكردية والعربية لذلك الميدان، والتي في التحليل الاخير، ستكون تلك حرباً رجعياً بين الاكراد والعرب، ولن تكون مصائبها باقل من مصائب ذلك السيناريو الذي يمسك بخناق مجتمع العراق منذ 2003.

    وفي تحليل وتقييم لماهية حديث البارزاني، عرضت فضائية “روداو” في اليوم نفسه مقابلة مع شيخ جعفر مصطفي، مسؤول الفرع 15 للحزب الديمقراطي الكردستاني. تناول شيخ جعفر صراحة في هذه المقابلة، وبدون طرح “لا اعرف” وتنبؤ، هذا الموضوع وحيثياته بالجزئيات والتفاصيل، اذ تحدث عن ان حربنا اللاحقة ستكون دون شك مع الحكومة العراقية وتحديداً “الحشد الشعبي” حول تحديد مصير المناطق المتنازع عليها، المناطق التي بيد البيشمركة منذ مرحلة دخول داعش.

    في العالم الواقعي، شرعت القومية الكردية، بعد هجوم داعش في 21 اكتوبر على مدينة كركوك، بهذه الحرب عبر الهجمة على النازحين العرب وتدمير بيوتهم. بهذا الخصوص، ادانت منظمة العفو الدولية هذا العمل وردت حكومة اقليم كردستان بصوت واحد على هذه المنظمة.

    بعد حديث البارزاني بيوم واحد، وكرد فعل على حديث البارزاني، اعلن مكتب العبادي انه “لم يطرأ اي تغيير على اتفاق بغداد واربيل، وطبقاً لبنود هذا الاتفاق فان قوى البيشمركة ستحارب جنب الى جنب القوات العراقية من اجل تحرير الموصل، وبعد ذلك وطبقا للبنود الواضحة لذلك الاتفاق ستعود قوى البيشمركة الى المناطق التي كانت تستقر فيها ماقبل بدء هذه العمليات، وان هذا تم تنفيذه في عدد من المناطق لحد الان”. ليس هذا وحسب، بل تحدث اعلان مكتب العبادي عن” ان تلك المناطق التي هي تحت سلطة البيشمركة في مرحلة الحكومات السابقة، سيتحدد مصيرها استنادا الى دستور العراق”، ويبين هذا الاعلان بوضوح ان من زاوية رؤية العبادي والحكومة العراقية، فان على قوات البيشمركة ليس الانسحاب من تلك المناطق التي تحررت نتيجة عمليات الموصل فحسب، بل عليها ان تتراجع من تلك المناطق الى سيطرت عليها من 2014، والتي اعلن فيها البارزاني ابان هجوم وتقدم داعش انها “فرصة للسيطرة مرة اخرى على المناطق المستقطعة من كردستان”، وقد سيطروا عليها فعلا. ناهيك عن هذا ينبغي ان يحسم امر المناطق التي هي خارج الاقليم والتي سيطرت عليها البيشمركة منذ 2003 والى الان ابان الحكومات المختلفة للعراق، عبر الدستور.

    وفي مذكرة التفاهم بين وزارة الدفاع الامريكية ووزارة بيشمركة اقليم كردستان، وبوصفه شرط تقديم امريكا لدعم بـ 415 مليون دولار خصصت لرواتب البيشمركة، ورد في الفقرة السادسة ” من تاريخ تفعیل هذه المذكرة، تنسحب قوات البيشمركة والقوات الاخرى للاقليم من تلك المناطق التي تحررت عبر عملية الموصل، طبقاً لجدول زمني تقرره الحكومة العراقية”. ولكن مما لاشك فيه ان كان الامر بيد هذه القوى المليشياتية القومية والطائفية، لاتلتزم بدستور او قانون او اي اتفاق، وبالتالي هناك مخاطر كبيرة في ان تحسم الخلافات والصراعات عبر الحرب والقتل.

    ولهذا، ومن الان، يمكن رؤية قسم من اطراف واسباب ومضامين تلك الحرب التي من الممكن ان تمسك بخناق الجماهير مابعد داعش، وليس هناك اي ضمانة ان تتاخر حرب مدمرة اخرى الى مابعد طرد داعش، و لم تجري بموازاة حرب الموصل. وقد كان معلوماً من البدء انه حين تتخذ الحرب على داعش قالب قومية وطائفية، و اضافة الى جانبها واسلوبها الارهابي والمعادي للانسان عبر القصف الوحشي لمدينة من مليون ونصف المليون انسان اسرى هذا الوضع، فان هدف مشارکة القوميون الكرد من هذه الحرب هو “تحرير المناطق الكردية المستقطعة”، وبالنسبة للقوى المليشياتية الشيعية الموالية للجمهورية الاسلامية هو، بالاضافة الى الانتقام من الطائفة السنية، تغيير توازن القوى في الصراعات الاقليمية لصالحها مع خصومها الاقليميين. انها تجلب العواقب ذاتها التي دعت لها قادة وساسة هذه الاطراف. ان هذا فقط جانب من ذلك السيناريو الكارثي واحد الحروب الرجعية التي تهدد مستقبل جماهير هذا المجتمع.

    ينبغي اخذ هذا التهديد على محمل الجد بصورة كبيرة من قبل الجماهير التحررية الناطقة بالعربية والكردية وكذلك جميع القوى التي تعتبر نفسها مسؤولة عن امان حياة الجماهير وصائنة لمدنية المجتمع. ينبغي اتخاذ موقف صريح وحازم ضد هذا التهديد وبهدف احباط هذه الخطة والمخاطر. وبهذا الصدد، ازاحة الستار عن المحتوى الرجعي والمعادي للانسان للنزعة القومية والوطنية للكرد والعرب، وتوعية الجماهير بمخاطر هذه الحرب وعواقبها الكارثية، ينبغي ابراز المصير المشترك لهذه الجماهير وتقديمها على اي انتماءات قومية وطائفية مصطنعة، وبالتالي، جر قوى الجماهير التحررية للميدان ضد هذه المخاطر، انها مهمة ومسؤولية كبيرة لاتقبل التاخير لمجمل تلك القوى والاطراف التي تعتبر مهمتها صيانة مدنية المجتمع والحيلولة دون سوق الجماهير صوب كارثة الحرب والصراع القومي. ان القيادة والمبادرة في هذا الميدان هما مهمة کبیرة للشيوعية.

    19-11-2016

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here