حوار مع هاولاتي عن آخر متغيرات الأوضاع السياسة في العراق

0

interview_01النص التالي هو نص المقابلة التي أجرتها صحيفة (هاولاتى) أي “المواطن” الأسبوعية الصادرة باللغة الكردية مع ريبوار أحمد ليدر الحزب. وكان مقرراً نشرها كمقابلة في الصحيفة، ولكن بدلاً من ذلك نشرت الصحيفة هذه المقابلة بصورة ريبورتاج صحفي في عددها (183) الصادر يوم الأربعاء المصادف 21 تموز 2004. وقد تم إعداد الريبورتاج بطريقة غيرت معنى ومضمون كلام ريبوار أحمد ولم تستطع التعبير عن تصوراته ووجهات نظره. ما قامت به صحيفة هاولاتى بهذه الطريقة لا يتطابق مع الأمانة الصحفية، وهنا نعبر عن احتجاجنا ضد هذا العمل وندعو صحيفة (هاولاتى) لنشر نص المقابلة وتصحيح هذا الخطأ. كذلك ومن أجل معالجة هذه المشكلة ننشر بدورنا نص المقابلة كما هو.

هاولاتى: بعد أن أمسك العراقيون بالسلطة ورفعت أمريكا كمحتل يدها عن شؤون العراق، حينها صدر القرار 1546، نريدك أن تتحدث بصراحة ووضوح حول هذا القرار.

ريبوار أحمد: لقد أصدرنا بياناتنا حول كل هذه القضايا، وبتصوري أن هذه التغييرات التي تجري وفق ذلك القرار ووفق مخططات أمريكا السابقة، لن تحدث أي تغيير على الأوضاع، وما أقصده هو أن ثمة جملة من الحقائق تكمن في أوضاع العراق الحالية، أولها هي أن أمريكا مازال ينظر إليها كقوة احتلال، وقد سقط النظام البعثي نتيجة للحرب التي أشعلتها أمريكا في العراق غير أن العراق تحول الى سيناريو أسود. بمعنى انتفاء أي سلطة ونظام وقانون وإطار لحياة الناس المدنية. وأستطيع القول أن قانون الغاب هو السائد في العراق أي أن أي شخص يمتلك قوة أكبر يستطيع أكل الأضعف منه. وبإمكان كل جماعة قومية أو إسلامية أو أياً كانت تسليح نفسها بربط نفسها بدولة من دول المنطقة أو مصدر قوة عالمي وفرض نفسها على الجماهير وفرض قوانينها وتقاليدها وأعرافها على الجماهير. وبتصوري أن هذه التغيرات الأخيرة في العراق هي استمرار لنفس تلك الأوضاع. ومن الواضح لكل شخص أن من تم جلبهم الى السلطة هم عصابات أمريكا، ويريدون تحقيق نفس المخططات الأمريكية التي سعت إليها مرة بالحرب ومرة أخرى بتنصيب حاكم عسكري ومن ثم حاكم مدني، وهي تسعى لتحقيق تلك المخططات السابقة الآن بوضع جماعة عراقية خاضعة لها، وحتى قضية الاحتلال لا تنتهي من منظار شخص كانت له مشكلة معها سابقاً. كذلك أن الحكومة التي شكلوها على أساس تقسيم المواطنين وفق الهوية القومية والدينية وتوزيع السلطة على نفس الأساس أيضاً، ستصبح مصدر تعميق هذا السيناريو الأسود، فلا يمكن تحقيق توازن ترضى به كل الأطراف بين هذه الجماعات. لأن كل طرف يسعى لأن يكون نصيبه هو الأكبر في كل مفاوضات، في كل انتخابات، وفي كل صياغة وترتيب للسلطة، مثلما نشهده الآن من عدم رضا الأحزاب الكردية وبالطبع هي تخضع له كأمر واقع في مرحلة معينة إلا أنها غير راضية ولها خططها في كيفية الحصول على نصيب وحصة أكبر خلال أي تغيير ممكن في الأشهر الأربع أو الخمس أو الست المقبلة، أو كيف يكون لها حصة أكبر إذا ما نظمت انتخابات ما.

هاولاتى: أسمح لنا بالحديث حول النقطة التي تقول فيها أن الأحزاب الكردية غير راضية بحصتها وسهمها أي أن حقها أقل مما هو وفق ذلك القرار أو في الحكومة التي تشكلت. بتصورك ما هو سبب ذلك، أ هو ضعف الأكراد أنفسهم في بغداد أم هو بسبب سياسة أمريكا أم أن حقهم هو هذا فقط؟

ريبوار أحمد: بالطبع أنني لا أستطيع أن أقرر أي حق للحركة القومية الكردية، أما فيما يتعلق بحق جماهير كردستان فهذا شيء آخر، وبتصوري أن حق الحركة القومية الكردية هو أن لا تبقى في الساحة فقد كانت هي وسياستها وإدارتها مصيبة وبلوى حلت على الجماهير ويجب إنهاء هذه البلوى والمصيبة. ولكن بقدر تعلق الأمر بمسألة لماذا، فان الحركة القومية الكردية تعتبره قليلاً ولهذا وصلت احتجاجاتها درجة التهديد وقالت أننا سنفصل كردستان عن العراق ولن نسمح بمجيء موظفي الدولة المركزية الى كردستان. أي أنها غير راضية، وسبب عدم تحقق مطالبها من منظارها هو أنها ربطت استراتيجيتها بسياسات أمريكا، فبعد عام 1991 كانت استراتيجية الحركة القومية الكردية تتلخص في أن تطابقاً ضمن إطار مخططات أمريكا في المنطقة مع مطالب الحركة القومية الكردية وبهذا فإنها ستحقق أهدافها بمجرد التعاون والتحالف مع أمريكا والاقتراب منها. وكلما استطاعت ضمن هذا الإطار من الضغط على أمريكا فإنها تضغط عليها ولكن حين يصل الأمر حد قطع خيوط الوصل فإنها ستتوقف عن الضغط. أي أنها حين تقول نحن سنفصل كردستان عن الدولة المركزية ولكن حين ترى أن أمريكا لا تقبل هذا منها فإنها مجبورة للعودة والخضوع لما تقوله أمريكا. أما لماذا لا تفعل أمريكا هذا، فإن سببه ليس مدى توافق أمريكا مع مطالب القوميين الأكراد أو عدم توافقها، بل أن أمريكا واجهت في العراق مأزقاً، فمن جانب الحركة القومية الكردية ومن جانب الإسلام الشيعي ومن جانب الإسلام السني ومن جانب الحركة القومية العربية، وهي مضطرة للحفاظ على توازن معين كي لا يخرج أي من تلك الأطراف من يدها، فحين يضغط الإسلام الشيعي عليها من الأسفل، فإنها تنظر لترى أي الأطراف يشكل ضغطاً أكثر وأي الأطراف أكثر تسامحاً. فالسيستاني قد هدد فيما لو تحقق مطلب الحركة القومية الكردية حول ضرورة الإشارة الى قانون إدارة العراق في قرار مجلس الأمن ومساندته. لقد كان الأكراد يعتقدون أن الضمانة الوحيدة لهم هي هذه، وفي واقع الأمر القضية هي هكذا والشيء الوحيد الذي يمنون النفس به هو هذا القانون، غير أن أمريكا والأمم المتحدة تخلت عن ذلك تحت ضغط الإسلام الشيعي وأغفلته.

هاولاتى: لقد تحدثت في الكثير من كلامك عن الحركة القومية، هل تعتقد أن هذين الحزبين الذين يمثلان جماهير كردستان هما حزبان قوميان؟

ريبوار أحمد: من غير شك أنهما حزبان قوميان، ما هو القومي، إن كل مجموعة أسست حزباً ومارست نشاطها وصاغت سياستها ومخططاتها ضمن إطار هوية قومية واستراتيجية قومية هي قومية؟ ولكن إذا كان هناك شخص يدعي أنهما ليسا قوميين، فإنني أقول أن الحركة القومية الكردية حركة قوية ولها جذورها في كردستان ولها ماضيها الذي يمتد لعشرات السنين، وإذا كان يوجد هناك الآن ممثل لها غير هذه الأحزاب يجب أن ينهض ويقول أنهما ليسا حزبين قوميين.

هاولاتى: حسناً علينا أن لا ننسى أن هؤلاء يمثلون حزبان اثنان فقط وهناك الكثير من الناس في قلب هذه الأوضاع الجديدة بعد سقوط البعث ومجيء أمريكا هم ساخطون ولا يعتبرون هذه الأحزاب ممثلة لهم، إذن هؤلاء هم حزبان اثنان فقط وقائدان لحزبين اثنين وليس الحركة القومية الكردية، وأنا شخصياً لا أعتبرهما قادة لي، إلا أنهما يمثلاني رغماً عني في بغداد. لذا فإن ما أقصده إذا ما كان مثل هذا الرأي موجود في الشارع الكردي لا ينبغي أن نطلق عليهما تسمية الحركة القومية.

ريبوار أحمد: إنك حين تتحدث عن حركة سياسية واجتماعية قوية مثل الحركة القومية الكردية فإنني لا يمكنني أن أتصورها بدون قادتها السياسيين وأحزابها السياسية القوية. فمن المنطقي أن كل حركة قوية لها حزبها ولها قادتها. ولا يعنيني إن كان هؤلاء يقومون بدورهم كممثلين للحركة القومية الكردية بشكل جيد أو سيئ داخل حكومة بغداد. إلا أن هذين الحزبين هما حزبان قوميان كرديان وقادتهما هم من صاغ تاريخاً طويلاً لهذه الحركة، أما إن كانا أبليا بلاءاً حسناً أو لم يحسنا البلاء فإن شخصاً قومياً بإمكانه أن يأتي ويحاكمهما من هذا المنظار، يمكن نقد الأحزاب القومية من قبل الجماهير والاحتجاج ضدها، ويمكن للناس القول أن تلك الأحزاب تساوم، وتمارس الخداع وتجلب المصائب والنكبات لنا، وعرضتنا للخسارة مرات عدة، وكل هذا صحيح ولكن تلك الأحزاب بموجب برنامجها وبموجب سياستها وممارساتها اليومية ومواقفها وكذلك بموجب التعريف الذي تقبل به لنفسها هي أحزاب قومية. وإذا كان هناك من شخص يقول بأن الأمر ليس بهذا الشكل عليه أن يضعها ضمن إطار حركة أخرى ويوضح ماهيتها. إن أحزاباً من هذا القبيل لا تتشكل بدون أساس، يجب أن يكون لها جذورها الاجتماعية، والآن إذا لم تكن أحزاباً قومية فما هي إذن.

هاولاتى: ما هو برنامجكم العملي فيما يتعلق بالاستقلال والفدرالية وتلك الأشكال الأخرى من مثل الكونفدرالية وفدرالية المحافظات؟

ريبوار أحمد: قبل أن أتحدث لك عن سبيل حلنا فإننا نعتقد حين يجمع الناس ضمن إطار بلد واحد فإن أي تقسيم للسلطة أو المناطق أو القانون هو أمر مرفوض وسيصبح مصدر للشقاق والتناحر والصراع وبالنتيجة للاختلاف بين المواطنين. نحن نعتقد بضرورة أن يكون هناك قانون واحد ومعيار واحد ضمن إطار دولة واحدة. وبهذا نحن نرفض الفدرالية وكل الأشكال الشبيهة بها. نحن نعتقد أن هذه ليست لها علاقة بمطلب جماهير كردستان ومعالجة الظلم والاضطهاد القومي، وليست سبيلاً لمعالجة الظلم القومي، بل تمثل سبيلاً لتقسيم السلطة بين الحركة القومية للأمة السائدة والحركة القومية للأمة الخاضعة بالشكل الذي تتفق عليه فيما بينها. وإذا حدث هذا سيستمر الصراع غير المحسوم لعشرات السنين الأخر كما هو عليه منذ عشرات السنين. لاحظوا أن في أوضاع عالمية وإقليمية وتوازن قوى في معادلة السلطة ربما بإمكان الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الكردستاني فرض الفدرالية على المركز وأمريكا وتمنح لهما وربما ستضاف كركوك أو لا تضاف للفدرالية، ولكن في الغد ستصبح هذه القضية مجددا ميداناً للصراع في أي تغيير آخر يطرأ على ميزان القوى. سيأتي قومي تركي بدعم ومساندة تركيا ليقول أن هذا التقسيم الذي جرى في الوقت الفلاني هو خطأ لا يمكنني القبول به وقبلته في ذلك الوقت مضطراً، والآن أنا لست مضطراً ولدي السلاح والقوة وعلينا أن نعيد التقسيم من جديد.

هاولاتى: حسناً ماذا لو تم تثبيت هذا في القانون الدولي ومن قبل الأمم المتحدة؟

ريبوار أحمد: نحن لدينا تجربة أوروبا الشرقية التي اتخذت شكلاً ثابتاً لعشرات السنين وكان لها قانونها وحتى لقد تناسى الناس ذلك ولكن في أوضاع أخرى طرأت، لم يكن لذلك أية فائدة، فمادام الأكراد والعرب يقتلون بعضهم بعضاً في كركوك فإن هذه المشكلة ستبقى كمشكلة، أو لاحظوا على سبيل المثال الكويت التي انفصلت منذ عشرات السنين من العراق وحتى لقد نسى الناس تاريخ ذلك، ولكن في عصر ما يأتي صدام حسين الذي يمتلك القوة وفي أوضاع ومتغيرات العالم بعد انهيار الكتلة الشرقية، وينتابه الشعور أن هناك فرصة سانحة وأرضية له كي يدعي ويقول أنه يريدها. لذا بتصوري ليس هناك قانون دولي ثابت. بمعنى في الغد سيشعر قومي عربي بالقوة، وسيقول أن في عام 2004 كانت هناك أوضاع خاصة احتلت فيها أمريكا العراق وفرضت نفسها على المنطقة، وتجاوزت على حقوق الحركة القومية العربية واضطرتنا للقبول بذلك ولكن في الحقيقة كان ذلك بالنسبة لنا غير صحيح وغير عادل لذا نحن نريد إعادة التقسيم مجدداً. والقومي التركماني أو حتى القومي الكردي بإمكانه أن يقول ذلك، بإمكانه أن يقول صحيح أن كركوك منحت لنا في حينها ولكن حتى جبل حمرين هو كردي، وحينذاك كانت أمريكا صديقاً لنا وطلبت منا وأقنعتنا كي لا تتعقد الأجواء ولكننا الآن لا نرضى بذلك. لذا فإن هذا هو موضوع دائم للصراع والمنافسة. نحن نؤيد إذا كانت القضية الكردية تحل ضمن إطار العراق أن يتم النظر لكل المواطنين بعين المساواة وتكون لهم نفس الحقوق، على سبيل المثال أن يكون بإمكان الشخص من أصول كردية، شخص ناطق بالكردية أن يصبح رئيس جمهورية، أن يكون بإمكاني أنا أن أصبح رئيس جمهورية العراق أو شخص آخر يصبح رئيس الوزراء. وأن لا يكون بإمكان شخص أن يقول لي لأنك من أصول كردية ليس من حقك ذلك ويجب أن تصبح نائباً، يجب أن يتمتع الجميع بحقوق متساوية، وإذا لم يكن كذلك، ونحن نعتقد أن مجالاً لم يبقَ لذلك، حيث من المؤسف أن الأوضاع لم تترك مجالاً لذلك فقد كان من الممكن في السنة الماضية مجيء حكومة غير قومية علمانية في العراق الى سدة الحكم ولم يُسأل أي شخص عن هويته القومية ومنحت الحقوق المتساوية للجميع على أساس كون الشخص عراقياً، وحين لم يتحقق ذلك نحن نطالب بانفصال كردستان.

هاولاتى: ولكن اسمح لنا فهناك شيء، هناك قضية هي القضية القومية، هناك مسألة باسم المسالة القومية وهي بحاجة الى جواب، بمعنى ليس مسألة أن يتم النظر إلينا جميعنا ضمن إطار العراق بعين واحدة، أي لديك مسألة ويجب أن تحظى هذه المسألة بالإجابة ولهذا تأريخه، هذا هو الجزء الأول من سؤالي، والجزء الثاني من السؤال هو لقد وضعت مساراً حتمياً للتاريخ قبل وقوعه، وكما أشرت في كلامك مادامت الكويت قد ظهرت في مرحلة ما ولم يبقَ الآن هناك مجال لتغيير الواقع، فإذا استطعنا الآن وضع نظام شبيه بذلك لكردستان فلن يتغير ذلك الواقع بسهولة. ألا تشعر أن هناك تناقضاً في كلامك؟

ريبوار أحمد: فيما يتعلق بالسؤال الأول أن القضية الكردية قضية نحن نعترف بها رسمياً، وهذه حقيقة في برنامجنا، في نشراتنا، وفي وثائقنا، وحين نتحدث نحن عن انفصال كردستان فإن أساسه هو القضية الكردية في المنطقة وخصوصاً أن لها في العراق بروزاً أكثر وتشكل واحدة من معضلات العراق السياسية الجدية ويجب أن تحصل على إجابتها ونحن بصدد الإجابة عليها. إننا حين نتحدث عن إزاحة الهوية القومية فإننا لا نقصد أن الإجابة على القضية القومية هي هذه فقط، ولكن حين يجري الحديث عن جذور الظلم القومي فإن كل شخص يفسره لصالحه، أحد يقول أن الأكراد قصفوا بالأسلحة الكيمياوية، تعرضوا لحملات الأنفال أو تمت إبادتهم جماعياً أو دمرت قراهم أو لم يسمح لهم بالحديث بلغتهم..الخ ويتحدث عن كل تلك الجرائم التي مورست بحق جماهير كردستان. ولكن بتصوري أن أساس القضية الكردية هو أن الحركة القومية العربية تعتبر المواطنين الناطقين بالكردية مواطنين من الدرجة الثانية. وهي تقول أن العراق دولة عربية، وأرض العراق جزء من أرض الوطن العربي وكل شخص من غير العرب يسكن على هذه الأرض هو ضيف، وليس حق صاحب البيت والضيف واحداً. وعلى أساس هذا سيتقسمان الى درجتين ولن يرضى الناس من الدرجة الثانية بذلك وسيحتجون عليه، يحملون السلاح، يتظاهرون ويستخدمون مختلف أساليب المقاومة، ومقابل هذا سيلجأ الطرف الساعي لفرض هذا التقسيم على درجتين الى الأنفال والقصف الكيمياوي كي يفرض على أولئك الناس مكانة الدرجة الثانية، أي لو قبلت جماهير كردستان هذه الدرجة الثانية ربما لن يحدث ذلك. هذا هو أساس القضية وستبقى مكانة الدرجة الثانية هذه في الحكومة الحالية وفي الفدرالية أيضاً. ومادام هذا باقياً أي بقاء مكانة الدرجة الثانية وبقاء الظلم القومي فإن هذا سيخلق رد فعل وسيؤدي رد الفعل الى ردود أفعال تتبعه بالتوالي.
وفيما يتعلق بوجود تناقض في كلامي حول نموذج الكويت أنا لا أعتقد أن هناك تناقض، لقد قلت ليس هناك أي قانون دولي لا يطوله التغيير الى الأبد وليس بإمكان أي قانون دولي الثبات تجاه التحركات التي تقوم بها الحركات والأحزاب والشخصيات في محل وجودها، بمعنى أن القانون الدولي لا يمكنه التصدي لظهور صدام حسين آخر في المستقبل داخل الحركة القومية العربية ويهاجم مجدداً كردستان. أما مجيء أمريكا عام 1991 وتضخيمها لقضية الكويت، فقد جاء بعد أن خلقت أزمة كبيرة ومات آلاف الأشخاص وتغيرت كل معادلات تلك الفترة، أي وبمعزل عن مسألة كيف استغلتها أمريكا، حدث صراع وتغيير كبير في التاريخ علاوة على القرار حول استقلال الكويت، ولكن برغم ذلك فقد تدخلت أمريكا لأسباب خاصة وليس من أجل حماية القانون الدولي. أي كان من الممكن أن يمضي صدام حسين في احتلاله للكويت، وكان من الممكن أن تكون الأمور بهذا الشكل ولكن على أية حال كانت أمريكا في تلك الفترة بحاجة لأن تشعل حرباً في مكان ما كي تفرض النظام العالمي الجديد، ولهذا كانت بحاجة لعرض العضلات واستعراض قوتها العسكرية واستعرض قدراتها وهيمنتها، بهذا الشكل جاءت وخلقت من صدام حسين شيطاناً وجعلت من ذلك ذريعة أمسكت بها وما قامت به لم ينتهي لحد هذه اللحظة. لذلك فإني أقول أن من الممكن أن يحدث هذا ويحدث فقد شهدنا خلال السنوات القليلة الأخيرة تأثيرات هذا الوضع في كركوك ووجود هذا الوضع خلق صراع الكرد والتركمان والعرب الخفي والمستتر تارة والظاهر والصريح تارة أخرى، الصراع بالسكاكين والحرب أو بالنار والسلاح أو الصراع بالشتيمة ومن الضروري أن يوضع له سبيل حل. ما أطرحه هو أن يكون للناطقين بالكردية نفس المكانة التي يتمتع بها الناطقين بالعربية في العراق لا أقل ولا أكثر وإذا لم يكن الأمر كذلك فيجب أن ينفصلوا ويؤسسوا دولتهم المستقلة.

هاولاتى: إنني أشعر منذ المراحل الماضية وحتى الآن أيضاً أنكم حين تتحدثون لا تفهم الجماهير ما تقولونه لأنكم تتحدثون بلغة لا تستوعبها الجماهير أو أنكم في أسلوب ممارستكم للسياسة لم تتمكنوا من جعل ممارستكم جماهيرية وجذب الجماهير إليكم كي يتكون جيش يتعامل بهذا المنطق. سؤالي هو أ هي هذه اللغة السياسية أم هذا الطراز من الممارسة التي تمارسونها كحزب، لم تسعوا لتغييرها أو لم تشعروا بها؟

ريبوار أحمد: إن قضية أن الجماهير لا تفهم لغتنا، كلامنا معقد أو الأدلة فيه قليلة أو إطلاق شعارات، ربما لهذه المشاكل وجود معين، وبتصوري هي موجودة وهذا هو موضع نقد وليس لدي أي تعصب تجاه هذا ويجب علينا تغيير ذلك كما أعتقد ولكن لتوضيح هذا الأمر علينا طرح نماذج لذلك، على سبيل المثال لو طرحت بعض النماذج على ما تقول ربما أستطيع الإجابة أفضل بالتأكيد أو النفي، ولكن ليس ما أقوله الآن في صحيفة (هاولاتى) هو شيء أقوله الآن فقد بل لقد تحدثت دائماً في اجتماعاتنا وقلت أن علينا أن نجعل لغتنا أكثر بساطة وأكثر استدلالاً أي أن لا يكتب شخص في مقال وكأنه يكتب لمؤيديه بل أن يكتب لناس ما زالوا لم يقبلوه بعد وليسوا أعداءه أي أنك تريد إقناع شخص ما زال لا يقبلك وليس شخصاً يقبلك وانتهى الأمر. ربما أن هذا الاشكال موجود.

هاولاتى: حسناً هذا فيما يتعلق بأن الجماهير لا تفهمكم، فما تقول حول أن تدخلكم أقل بكثير مما تنتظره الجماهير، على سبيل المثال لديكم برنامجكم العملي المنطقي، أو لنقل لكم منطقكم أما إن كانت الجماهير تقبله أو لا فهذا شيء آخر. ولكن قلما كان لكم تدخل في متغيرات العراق من ناحية الدخول داخل المنظومة السياسية التي تديرها أمريكا الآن، ومسألة أن كان لكم انتقادكم أو لا، إلا أنكم تدعون أن لكم جيشاً كبيراً، حسناً لماذا لا تبرزون هذا الجيش الكبير وتدخلون داخل هذه المنظومة كي تتمكنوا من أن يكون لكم دوركم داخل المحافل السياسية ويكون لكم تأثيركم والقدرة على تغيير السياسة.

ريبوار أحمد: إن جزءاً من المسألة هو كان لنا دورنا، بمعزل عن أن وسائل الإعلام عموماً تطمس ما نقوم به ولا تفسح المجال أمام وصول صوتنا الى العالم، أنظر فقط الى كل تلك القنوات الموجودة في بغداد من مثل الجزيرة والعربية والقنوات الأخرى جاءت لعشرات المرات وأجرت مقابلات معنا وأعدت ريبورتاجاتها حول نشاطنا إلا أنها لم تبثها لأن لها تناقضاً شديداً مع ما نقوله نحن من قبيل مناهضة الإسلام السياسي والحركة القومية وحديثنا عن الشيوعية وتصاب بالحساسية مما نقول. لذا فإن جزءاً من المسألة هو الطمس والتغييب المقصود.

هاولاتى: ولكنكم لم تطرحوا أنفسكم في السياسة الجديدة التي تديرها أمريكا الآن ولم تقولوا أننا جزء من الجماهير ويجب أن يكون لنا تدخلنا، نكون بين صفوف الجماهير ويكون لنا وزيرنا، لنا بديلنا وبديلنا أكثر منطقية من البدائل الأخرى. إنكم لم تطرحوا هذا.

ريبوار أحمد: امنحني الفرصة لأنني بصدد الإجابة على ذلك ولكن ما أقصده عدا عن هذا، أي عدا عن هذه الحلقة من القضية، فإن الحلقة الأخرى من القضية هي إن حزباً يمكن أن يكون خارج السلطة وليس له مكانة في هذه المنظومة وليس له وزيره إلا أنه حزب ذو دور وتأثير وتتحدث عنه وسائل الإعلام. أنا قلت لماذا لا تتحدث وسائل الإعلام عنا. ولكن لماذا نحن لسنا داخل هذه المنظومة؟ السبب هو انتقادنا للسيناريو الذي صاغته وبلورته أمريكا وسمته دولة وهو ليس انتقاداً هامشياً وجزئياً بل هو انتقاد جذري ونحن من الأساس ليس لنا قناعة بذلك السيناريو ونعتبر الاقتناع والثقة به خطأً ونعتقد أن أي شخص يخوض داخله سيتلوث حين يأتي من فوق إرادة الجماهير وفي الأساس من أجل تنفيذ مخططات أمريكا وخدمة سياساتها، إنني ليس لدي قناعة به حتى لو قاموا بدعوتي إليه. وبالطبع نحن لم نرفض أية دعوة وجهت لنا للحوار والحديث كي نعرف ما هي شروطهم وما هي شروطنا.

هاولاتى: أرجو المعذرة ولكن السياسة ليس دعوة بل هي نظام يقف في مواجهتك ولا يسمح لك بالتدخل ويجب أن تفرض نفسك وتدخل الى داخل تلك السياسة وتقوم بالتغيير وتطرح نفسك هناك وأنتم لم تقوموا بهذا.

ريبوار أحمد: اسمح لي أنني كنت بصدد الحديث عن هذا وأقول أن لهذا سبيلين الأول هو أن يقوموا بدعوتك والثاني هو أن تتقدم أنت إليه، إنني أقول أن في الإطار الذي صاغوه هم لا أرى هناك ولو مقدار ذرة واحدة من مصالح الجماهير، أي لا في قانون الإدارة، لا في تقسيم السلطة، لا في أسلوب تشكيلهم للحكومة، ولا في الغرض من تشكيل الحكومة. لذا فإن هذا موضع إدانة وشجب وليس موضع مشاركة ومساهمة فيه، وسبب إدانتي وشجبي له ليس لأنني لم أشارك فيه، بل ليس هناك من مكانة لشيوعي ضمن إطار مثل هكذا سيناريو حتى لو أزاح عقائده وأفكاره الشيوعية جانباً وكان له على الأقل إيمان بمساواة المواطنين، بفصل الدين عن الدولة، بخروج أمريكا، بالقضاء على الصراع بين أمريكا والإسلام السياسي وسبقاها الإرهابي، وبالتالي بانتقاد النزعة والعصبيات القومية والعشائرية والطائفية. إن كل نظامهم هو هذا وليس فيه أي مجال، ولهذا أنا قلت حتى لو قاموا بدعوتي لمثل هذا الشيء لا يمكنني المشاركة فيه ولا ينسجم ذلك مع مبدئي. وبدلاً من هذا إنني أرى أن سبيل حل أوضاع العراق تنظيم حركة اجتماعية خارج هذه المنظومة قادرة على أن تلملم هذه المنظومة وتطويها.

هاولاتى: حسناً أنت ترى أن هناك أشخاص داخل الحكومة العراقية الحالية وقبل ذلك أيضاً ليس لهم أية علاقة بأي حزب…ربما تم منحهم مكانة ما وكان لهم دور ما وربما هددوا بالخروج من الحكومة، أنتم بإمكانكم أن تتخذوا مثل هذه السياسة. وأنتم لم تقوموا بهذا وأقصد أنكم ليس لكم أي تدخل في هذه السياسة وتنتقدون من خارجها. وبتصوري أن النقد من الخارج لا يستخدم المنطق الذي بإمكانه كسب القوى وتغيير السياسة.

ريبوار أحمد: نحن لا ننتقد من الخارج، بل ننقدهم عن قرب، نحن ننتقد من قلب الأوضاع ونتموضع في قلب الميدان، غير أن نقدي يختلف مع أولئك الأفراد الذين قلت عنهم دخلوا الحكومة. أنا قلت إذا الموضوع حول أن يكون الإنسان قادراً على وضع شروطه، إذا كان هناك تفاوض حول هذا فإنني أقول أنا مستعد للمشاركة في هذه الحكومة ولدي شرط.. شرطين.. ثلاثة.. أربعة..،وربما سأشارك فيما لو حققوا لي شرطين من شروطي، ولكن ماذا لو كان كل الأمر ليس بصالحي؟ بالتأكيد هو بصالح ذلك الشخص الآخر، فالأمر مختلف بالنسبة له ومن أشرت له أنت على سبيل المثال ممثل حزب إسلامي ويقول إذا لم ترفعوا الحصار عن الفلوجة فإنني سأستقيل، ولكن مشكلتي أنا ليست حول الفلوجة فقط، بل هي مع كل النظام وقانونه وتقسيمه، مع علاقته بأمريكا وموقفه من قضية فلسطين والموقف من المنطقة فهو متفق في الرأي معهم، أو أنه متفق معهم بنسبة 70%، ولكن ليس هناك أية نقطة مشتركة بيني وبينهم. ولهذا نحن وضعنا بديلنا منذ البداية وقلنا يجب أن تتشكل الحكومة من ممثلي الجماهير. ومن أجل هذا وضعنا منهجاً وقلنا أن تمثيل الجماهير على الأقل يفترض عقد مؤتمر من الأحزاب السياسية والمنظمات الجماهيرية والمؤسسات المدنية، حينذاك كنا سنشارك ونذهب الى المؤتمر وكنا سنقوم بمساعينا وإذا كنا استطعنا أن نعرف أن في الحكومة نفعاً للجماهير حتى ولو بنسبة 30% كنا سنشارك فيها. ولكن إذا كانت هناك حكومة كانت قد تأسست لخدمة أمريكا والإخلاص لها، فإنني لا أستطيع أن أقوم بهذا الأمر ولا أستطيع منح أمريكا هذا الوعد.

هاولاتى: ولكن هذا هو وضع مسار حتمي لتاريخ تدفع السياسة الى الأمام، أي أنني أعتقد أن أمريكا تمارس السياسة في جميع أرجاء العالم من خلال صياغة السيناريوهات، والأمر هو هكذا فالسياسة تتطلب سيناريو خاص بها، وأنت لا يمكنك أن تقف بعيداً أن هذا سيناريو وتسميه بهذه التسمية. فإذا وقفت بعيداً ستتهمش ويلقى بك على هامش المحافل السياسية وأيضاً على صعيد المجتمع حيث تعمل. هذا الهامش هو بالنسبة لكم أحد المسائل التي لا تملك الجماهير جواباً عليها وحتى أنتم ليس لديكم جواباً واضحاً عليها.

ريبوار أحمد: في البداية أود القول أنني حين أقول سيناريو فإن هذه ليست عبارة سلبية بتصوري، وما أقصده إنني لست بصدد انتقاد أمريكا بهذه العبارة، أو أن هذا طعناً بأمريكا، السيناريو ليس له هذا المعنى، أنا أيضاً لديّ سيناريوي الخاص بي، السيناريو هو عملية تحدث أمام الأنظار، ولكنني لدي ما أقوله حول مضمون السيناريو. كذلك أنا لا أقر بالتصور القائل أن عليك دائماً أن تكون مع المد الرئيسي وبهذا تكسب الرهان، ففي كثير من الأحيان لا تسير الأمور بهذا الشكل، بل إن بإمكان المعارضة أن يكون لها مكانة قوية وبإمكانها كسب الجماهير. وحين يكون هناك مجال تدخل الى المركز. أنني يجب أقول شيئاً للجماهير، إنني حين أعتبر نفسي ممثلاً لمطالب النساء وجماهير كردستان وجماهير العراق التحررية والمتمدنة والعاطلين والشبيبة و…، على أن أوضح لماذا أدخل الى هذه الحكومة ولماذا على الجماهير أن تعقد الآمال عليها وما هو مكسب الجماهير منها.

هاولاتى: حسناً هذه المقاطعة التي لديكم من الناحية السياسية وكما تقول أنت أنها سياسة لن تتخلوا عنها تؤدي الى خلق اختلاف بين ما تقولونه وأسلوب العمل على هذه القضية، على سبيل المثال تمت قبل تأسيس الحزب مقاطعة البرلمان (برلمان الأحزاب الكردية 1992) ثم تبين أخيراً كم كانت تلك المقاطعة خاطئة، أي لم تكن محمودةً تلك المقاطعة، فماذا كان سيحدث لو دخلت ضمن العملية الانتخابية وطرحت نفسك وقلت أن هذه هي كلمتي، لم يسمع أي شخص ذلك منكم. ولم يفهم الناس لماذا تمت مقاطعة البرلمان، وهذا مازال يشكل مرة أخرى ذريعة تؤدي الى إلحاق الضرر بالجماهير الذين عندك بديل لهم وأيضاً إلحاق الضرر بك حيث لديك سياستك لخاصة. هذا الأمر هو تبديد للطاقات وله أضرار مزدوجة بتصوري سواء للجماهير ولكم حين تمارسون السياسة.

ريبوار أحمد: كلا، كلا، لم يلحق ذلك ضرراً لا بنا ولا بالجماهير أيضاً، ربما أتخذ حزب ما في فترة تاريخية معينة تاكتيكاً غير صحيح، ولكن هذا لا يعني أن العكس صحيح دائماً، ربما نحن قمنا لحد الآن…

هاولاتى: ولكن تلك المقاطعة كانت خطأً

ريبوار أحمد: ربما أنت تظن ذلك، ولكن لو جئنا لتقييم موقفنا من انتخابات البرلمان من المحتمل أن أقول نفس ما قلته أنت وهو أننا لم نقم بمهمتنا في توعية الناس جوهر هذه القضية سواء بتحريم المشاركة في انتخابات البرلمان أو المشاركة فيها ولماذا اتخذنا هذا الموقف. هذا صحيح. نحن لم نفهم الجماهير حينها هذا الموقف، قدراتنا كانت محدودة وكنا مشتتين وأفقنا لم يكن واضحاً.

هاولاتى: كلا، لقد كانت الجماهير، بتصوري، تقف خلف تلك التيارات

ريبوار أحمد: ولكن الأهم من كل شيء هو أننا لم نكن نملك أداتنا في صراعنا السياسي والتي هي الحزب كذلك لم نكن متكاتفين فيما بيننا، كنا مشتتين وكان هناك الكثير من التناقضات والخلافات الهامشية التي تغطي على النقاط الأساسية والمشتركة فيما بيننا، وعلى أية حال لنتخلى عن الحديث بصدد كيف كنا وكيف لم نكن، فالمهم هو أننا لم نقم حينذاك بوظيفتنا ولم نفهم الجماهير موقفنا وجوهر الأسباب والدلائل التي تدفعنا لاتخاذه، هذا أمر صحيح. ولو تكرر هذه الأمر مجدداً يجب استنتاج نتيجتين منه، الأولى هي على الجماهير أن تعلم وتعرف بالتأكيد لماذا لا نشارك في الحكومة وما هي محاسن ذلك ومساوئه. والأخرى هي عليك أن تقيم الأمر لتعرف إن من الأفضل المشاركة أو عدم المشاركة، وأنا كشيوعي عمالي لا أرى أي شيء آخر حراماً عدا سحق وانتهاك مبادئي، فمن الممكن أن يكون لك حضورك في كل ميدان وأن تناضل شرط أن تعرف أنه في صالح الجماهير والبرنامج الذي اخترناه. بتصوري ليس هناك ضمن إطار هذه الحكومة والمشاركة فيها أي نفع بل إن في ذلك ضرراً وسيؤدي الى انتكاسنا من الناحية السياسية ويبعدنا عن مطالب الجماهير، فمنذ الآن هناك احتجاجات واسعة النطاق ضدها. لذا إذا ما جئت أنت لنقد كيفية قيامنا بممارستنا وتتحدث عن ما هو الأمر الجيد الذي قمنا به وما هو الأمر السيئ، ربما لم نتخذ دورنا بشكل جيد، وعلى أية حال لو انتقدت ربما سأقبل انتقادك ضمن هذا الإطار. هذه قضية ولكن لنأتي خارجنا وخارج نقاط ضعفنا ونقصنا ونتأمل الأوضاع السياسية في العراق، فأنا أتقد أن البديل الذي وضعته أمريكا يواجه الآن احتجاج الجماهير الواسع النطاق، أي أن للجماهير نقدها له واحتجاجه الكبير ضده، وهناك قسماً من الحركة القومية العربية وكذلك الإسلام السياسي هو بصدد امتطاء موجة الاحتجاجات وجعلها أساساً وركيزةً لسياسته كي يطرح نفسه بديلاً مقابل أمريكا. وهناك لنقل على سبيل المثال في الطرف المقابل قناة كي نشارك نحن في هذه الحكومة. إنني بصدد تقييم أي من هذين (أي احتجاجات الجماهير أو الحكومة) هو في صالحي وفي صالح الجماهير وبإمكانه تحقيق مستقبل أفضل للعراق، بتصوري سأرجح تنظيم احتجاجات الجماهير وقيادتها ومنحها مسارها ومخطط حركتها.

هاولاتى: ولكن هذا ليس شعاراً فقط.

ريبوار أحمد: بالتأكيد الأمر هو هكذا، ونحن لسنا بصدد جعله شعاراً، نحن بصدد تنظيم الجماهير، توعيتها وتنظيم احتجاجاتها وحتى إنني أقول ليس محرماً في فترة محددة اتخاذ أية وسيلة أخرى نجدها مناسبة. اليوم يمارس الإسلاميون المقاومة المسلحة، وهي  ليست في جدول أعمالنا الآن، ولكن بتصوري يمكن إخراج أمريكا من خلال حركة احتجاجية عامة وشاملة تشمل كل المدن تلتف حول شعار إخراج أمريكا وإحلال سلطة الجماهير محلها، وهذا هو أمر عملي وقد جرى في العالم ويمكن أن نقوم به هنا أيضاً.

هاولاتى: اسمح لي أن أتحدث هنا عن أنكم عبرتم عن احتجاجكم وقلتم لا ينبغي أن تحدث حرب في العراق وقد انعكس هذا سلباً عليكم، أي لم تتمكنوا من توعية الجماهير مرة أخرى، لقد كان يجب أن تقع الحرب كي يتحرر العراق لأنه لم يكن هناك أي مجال، فقد كان واضحاً أن صدام حسين لا يمكن إسقاطه بدون أمريكا. ولكن اللغة التي تقول لا ينبغي حدوث الحرب ولا ينبغي أن تأتي أمريكا لأنها ستدمر وتخرب وستلعب على الاقتصاد العراقي وضمن إطار معين، هذه اللغة عادت مجدداً بالضرر عليكم  أو لنقل سوء فهم الجماهير لها، وهذا كان مجدداً نوعاً من مقاطعة هذا النوع من السياسات. لماذا هذه اللغة؟

ريبوار أحمد: إنني لا أعرف الآن أيهما كان خاطئاً بالنسبة لك اللغة أم السياسة؟

هاولاتى: أحدهما هو أنكم لم تقوموا بتوعية الجماهير حول الحرب، والثاني هو أن كان هناك نوعاً من الخطأ في السياسة حيث لم يكن ينبغي أن تقاطعها لأنه ليس هناك من قوة تسقط صدام حسين، نحن لم نستطع إسقاطه فما هو الحل؟

ريبوار أحمد: عينا أن نميز بين هذين الأمرين، الاعتقاد بأن سياستنا خاطئة هو رأبك أنت وبتصوري أنا فإن سياستنا كانت صحيحة بدرجات كبيرة وسأفتخر الى الأبد بأننا عارضنا حرباً دموية ورجعية خلقت سيناريو أسود في العراق الآن ووقفنا ضدها. وأنا لست في شك ولو لمقدار ذرة واحدة في صحة هذه السياسة.

هاولاتى: ولكنه لم يكن ممكناً وأنت تعرف أن السياسة فن الممكنات، وهذا لم يكن ممكناً.

ريبوار أحمد: كلا، لقد كان هناك تحليلين في العالم حتى قبل أيام قليلة من بدء الحرب حول إن كانت ستندلع الحرب أم لا، فالقائل بأن الحرب ربما لن تندلع كان يستند على أن البشرية المتمدنة حضرت الميدان بصفوفها المليونية على الصعيد العالمي، وبتصوري كان بإمكان هذه الجبهة التصدي للحرب ولم يكن لدي ذلك التصور القائل بحتمية الحرب، هذه الحركة المناهضة للحرب كان بإمكانها أن تكون أقوى من ذلك، كان بإمكانها أن تتخذ تاكتيكاً أفضل، كان بإمكانها الانتفاض في بعض الأماكن، وبهذا الشكل كان بإمكانها التصدي للحرب والوقوف بوجهها. وهذا حالة محددة وكانت قاب قوسين أو أدنى من النصر والظفر ونحن الذين كنا نقول لا ينبغي أن تقع هذه الحرب كان بالإمكان أن لا تقع. ولكن وعلى أية حال كانت الجبهة المقابلة أقوى واستطاعت فرض حربها هذه.
أما فيما يتعلق بأننا لم نتمكن من توعية الجماهير، فإننا كتبنا جملة من الكتابات بهذا الخصوص وما كتبناه كان مفهوماً، ولكن إذا كانت الجماهير قلما أيدت هذا المطلب خصوصاً في كردستان فإن ذلك عائد الى وجود نظام يحكم في العراق بحيث لا يستطيع أي شخص إعلاء صوته، ولم يكن معلوماً ماذا تفعل الجماهير، وما تراه هو أن الجماهير تعاني من آثار الحرب والقصف والقتل والتدمير. ولكن في كردستان كانت القضية هي أن أفقاً أكثر سيادة وشيوعاً وهو أفق الحركة القومية الكردية والابتهاج بأمريكا. أي أن الجماهير كانت تعرف ما نقول، غير أن تصوراً كان موجوداً يقول إن هذه الحرب مقبولة بالنسبة لي بأي ثمن كانت حتى ولو بثمن مقتل جزء من جماهير العراق. وهذا هو أن الأفق هو أفق آخر وليس أن أحداً لم يفهم لغتنا وما نقوله، وهذا ما يحدث في مرحلة حين يكون أفقاً سياسياً معيناً أكثر شيوعاً وذا يد طولى وهذا ما يجعل مهمتي صعبة وعسيرة في إخراج الجماهير من ظل هيمنة هذا الأفق. وعلى الأقل فإن هذا النموذج يثبت حتى لو كان هناك نقصاً وقصوراً في لغتي فإن هذه ليست مسألة رئيسية، وربما أتحدث لمدة أربع ساعات في قاعة لأناس يخضعون لأفق الحركة القومية وعقدوا آمالهم على أمريكا ويكونون معارضين لما أقوله الى الآخر وسوف يقولون ليس مهماً بالنسبة لنا حتى لو قتل كل العرب من أجل أن يذهب صدام، أو حتى لو ضربت جماهير كردستان بالأسلحة الكيماوية وقتلت ولم يبق منها سوى أقلية قليلة من أجل أن يسقط صدام. إنني لا أعرف ماذا أقول لهذا المنطق السائد والمسيطر في ذلك الحين. ولكنني أفتخر بالسياسة التي اتخذناها وبتصوري هي ستقوي من مكانتنا على الصعيد العالمي وفي مستقبل العراق أيضاً وهي شيء يمكننا الاعتماد عليه.

هاولاتى: حسناً هذا من الناحية السياسية، فماذا عن الناحية الاقتصادية للعراق الذي يشكل مصدراً كبيراً للثروة النفطية، انتم قلما تتطرقون للقضية الاقتصادية سواء بشكل إحصاءات أو بأشكال رياضية أخرى في الوقت الذي تشكلون فيه طرفاً يعتمد على هذه المادة، لماذا لا تتطرقون الى القضية الاقتصادية حيث تسعى أمريكا للاستفادة بشكل صريح من هذه الثروة النفطية، حتى حين أمسك العراقيون الآن بالسلطة فإن سؤالهم هو أين يتجه هذا الاقتصاد.

ريبوار أحمد: بتصوري أن اقتصاد العراق ونفط العراق وغنى العراق لسنا نحن فقط من لا يتحدث عنه بكثرة فليس هناك أي طرف آخر يتحدث عنه بكثرة.

هاولاتى: ولكن من الضروري أن تتطرقوا أنتم له.

ريبوار أحمد: ما أقصده أنني أريد القول لماذا الأمر بهذه الشكل، ليس نحن بل أن أي حزب وحركة وجبهة سياسية لهذه المرحلة في العراق لم تهتم كثيراً بهذه القضية ولم تتحدث عنها، والسبب هو أن قضية العراق قضية سياسية وليست اقتصادية، وأنا لا أؤمن بالقول القائل أن أمريكا جاءت الى العراق من أجل النفط، فقد كان بإمكان أمريكا بأشكال متنوعة أخرى أن تحصل على النفط العراقي أكثر من الآن وبدون الحرب.

هاولاتى: وإذن لماذا لا تسلم حتى الآن الملف الاقتصادي الى العراقيين؟

ريبوار أحمد: إن سبب ذلك هو شيء آخر وذلك من أجل أن تبقى هذه الدولة خاضعة دائماً لأمريكا ولا تخرج عن طوعها فتربطها بها بهذا الشكل. هذا هو بمثابة ضغط عليها كي تبقى ألعوبة بيدها لمدة طويلة وهي تربطها بها بأشكال مختلفة.

هاولاتى: وإذن لماذا لم تتحدث عن حكومة كردستان التي لديها اقتصادها ووارداتها الجمركية وأشياء من هذا القبيل؟

ريبوار أحمد: ذلك أنها لا تتصور قيام وبقاء دولة بهذه الواردات الجمركية وتصبح ذات إرادة مستقلة. ولكن واردات النفط أمر مختلف فأي دولة تكون لديها وارداتها النفطية تستطيع بعد أربعة أيام أن تخرج عن طوع أمريكا ولا تخضع لما تقول. على أية حال علينا التمييز بين شيئين، بين استخدام أمريكا نفط العراق كي تبقي الدولة العراقية تابعة لها وملحقة بها، وبين التصور القائل أن أمريكا جاءت الى العراق من أجل النفط. أمريكا كانت تتعقب في حربها في العراق أهدافاً عالمية، القضية هي كيف تتخذ دور شرطي العالم وتحكم العالم كقوة وسلطة وحيدة بدون منازع وكل مكان في العالم يتحرك وفق إرادة أمريكا، وهذا شيء تقوله أمريكا بصراحة ووضوح ظاهر. أما بخصوص النفط فلم يكن صدام عقبة أمامها وفي أحد تصريحاتها الأخيرة قالت إذا كانت أمريكا تفعل ذلك من أجل النفط فإنها ليست بحاجة للحرب وبإمكانها الحصول عليه من دون الحرب. وأنا أعتقد أن مشكلة صدام أيضاً لم تكن قضية نفط العرب للعرب وأمريكا لم تكن هذه مشكلتها، لقد كانت الحرب ضرورية لأمريكا وكان من الضروري أن تحقق نتائجها في أوضاع ما بعد الحادي عشر من أيلول. لقد قامت بالحرب في أفغانستان ولكن ماذا بعد ذلك؟ لهذا شكل العراق أنسب الأماكن في العالم وأكثرها ملائمة لحجج وذرائع أمريكا. هذه الحرب هي حرب السلطة والهيمنة بالنسبة لأمريكا، فالحرب مع صدم حسين هي في الحقيقة حرب مع فرنسا وألمانيا وأوروبا إن كانوا يخضعون لتفرد نفوذ وسلطة أمريكا أو لا.

هاولاتى: لقد تحدثت عن توازن تريد أمريكا الإبقاء عليه بين الكرد والشيعة والسنة في العراق، فما هو التوازن الذي تريد الإبقاء عليه بين الإدارتين الكرديتين؟

ريبوار أحمد: في الحقيقة أنا لا أعرف كم تريد أمريكا الإبقاء على التوازن بينهما، وبالنسبة لي يشكل موضع تساؤل، ألا يمكن لهذين الطرفين فيما لو وضعا أيديهما ببعضهما البعض أن يتحولا الى بلاء لأمريكا والتحول الى عامل ضغط آخر للقضاء على التوازن الذي تسعى للإبقاء عليه في العراق. ولكن ما أقوله هو أن المشكلة بين الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الكردستاني ليست واحدة من مشكلات أمريكا الحالية في قضية العراق، إلا إذا تصورت أن زيادة ضغط الحركة القومية الكردية على الدولة المركزية يتطابق مع سياسات أمريكا، حينذاك ربما ستسعى لإقناعهما.

هاولاتى: حسناً وماذا عن قولكم أن كلامكم هو كلام الجماهير، وأنه حديث الجماهير فيما بينها، والجماهير لا تقبل بهذا القول فكيف ترون هذا الأمر؟

ريبوار أحمد: أي كلام، تقصد، لا تقبله الجماهير؟

هاولاتى: القول بالإبقاء على هاتين الإدارتين بهذا الشكل.

ريبوار أحمد: بتصوري أن هاتين الإدارتين وليس فقط انفصالهما بل هما بحد ذاتهما يفتقدان للشرعية، لقد قلنا منذ زمن طويل أننا ضد تقسيم المناطق وفق سلطة الأحزاب. فالسبيل والشكل المناسب هو فسح المجال لستة أشهر أمام النشاط الحر لكل الأحزاب السياسية، الكبيرة والصغيرة، اليمينية واليسارية، الإسلامية وغير الإسلامية التي تمارس نشاطاً سياسياً صرفاً. وتقوم الأحزاب ببيان برامجها للجماهير خلال الأشهر الستة المذكورة وبعد ذلك تقام انتخابات حرة وتؤسس حكومة على هذا الأساس. وإذا لم يكن في كردستان مستقلة فليس لهذا الانفصال أي معنى حتى في حالة التشرذم وتعليق المصير الحالية، لقد كانوا يقولون سابقاً أن هذه حدود كردستان مع البلاد العربية والتركية غير ذلك، ولكن هذا ليس له أي معنى وأي أساس عدا عن أن هذين الحزبين ليسا على استعداد للقبول بإرادة الجماهير واحترامها بأي معيار ومقياس. كل جماهير كردستان ضد هذه الحالة، غير أن مصالح هذين الحزبين تتقدم بهذا الشكل، ولا يقبل أي منها الطرف المقابل له. ولذلك يسعى كل منهما لاقتطاع أكثر ما يمكن من المناطق لفرض سلطته عليها، وربما أن استراتيجية أحدهما أن يقوم ذات بإخراج الاتحاد الوطني بمساعدة ودعم دولة معينة وتكون كردستان كلها بيد الحزب الديمقراطي الكردستاني أو أن يفكر الاتحاد الوطني بطريقة أخرى. نحن ضد تقسيم المناطق هذا والذي هو بصدد أن يبدأ في العراق كله أيضاً. ولكن أساس ذلك ليس أن الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الكردستاني يتصالحان أو لا، بل إن خلافنا الجدي مع الأحزاب الأخرى هو أن تلك الأحزاب تتصور أن المشكلة تحسم بالتوحيد والمساومة والاتفاق والوساطة بين الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي، ولكن نحن نتصور الأمر ليس بهذا الشكل، فعلى جماهير كردستان اختيار بديل آخر، عليها أن تتجاوز الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي، وجماهير كردستان حتى لو وضعت 40-50 سنة الماضية جانباً وتأملت فقط 12-13 سنة الأخيرة…

هاولاتى: ولكن لا يوجد مثل هذا الوعي السياسي، وأنتم تخليتم عن هذا الميدان، وأرغب أن نتطرق الى المحور المتعلق بأنكم وطوال التاريخ أخليتم كوادركم من العراق، لقد تركتموه وذهبتم الى مخيمات الأمم المتحدة من أجل الذهاب الى أوروبا، هذه مهمة بدون جواب.

ريبوار أحمد: قضية الهجرة من كردستان قضية اجتماعية لها أسسها ولها علاقة بالأوضاع الحالية وليس بسياستنا ولم تكن شيئاً من سياستنا أبداً.

هاولاتى: ولكن قسماً كبيراً منها هي من كوادركم

ريبوار أحمد: كلا، قسماً قليلاً جداً منها من كوادرنا وحتى غداة تأسيس الحزب لم يكن تأسيس تنظيم قوي في الخارج سهلاً بالنسبة لنا، أن عدة ملايين من جماهير العراق هم في الخارج وليكن عدة آلاف منهم من كوادرنا وأعضاءنا، بأي معيار تجعل من ذلك أغلبية؟ ولنقبل حقيقة موجودة…

هاولاتى: ما أقصده هذا النموذج من الهجرة الذي يذهب الى أمام الأمم المتحدة

ريبوار أحمد: إن كل الذين تحدثت عنهم لم تكن لديهم تكاليف الخروج من خلال التهريب وذهبوا من خلال الأمم المتحدة. هناك أناس اضطروا أن يسجلوا أنفسهم كبعثيين وآخرين سجلوا أنفسهم كجزء من الاتحاد الوطني مقابل الحزب الديمقراطي وأشخاص آخرين سجلوا أنفسهم كإسلاميين وحتى قبلوا بتسجيل أنفسهم كجواسيس للبعث من أجل أن يتم قبولهم كلاجئين. ما أقصده هو أن أوضاع التخبط والتشرذم ما بعد عام 1991 والقمع البعثي جعل الناس لا ترى هنا أي هناء ومسرة وتصاب باليأس من الوصول هنا الى مصير أفضل، لذا اختارت سبيل الذهاب الى الخارج، وهذا كان له بروزاً واضحاً في صفوفنا، وأقبل بذلك ولكن ليس بمعنى أننا كنا من بدأ أو أننا الأغلبية. ويوجد سببان لهذا، أحدهما أننا تعرضنا للقمع منذ 1991 وقتل منا الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي والإسلاميون.

هاولاتى: أسمح لي أن أسألك لماذا لا تقبلكم هذه الأطراف

ريبوار أحمد: لأن لنا اختلاف سياسي معها، نحن لا نقبل إدارتها، ولكنها لا تقبل نشاطنا السياسي.

هاولاتى: ولكن هناك طرف آخر أكثر خطراً ومع ذلك تقبله تلك الأطراف

ريبوار أحمد: مَنْ تقصد؟

هاولاتى: أقصد الإسلاميين

ريبوار أحمد: هناك شيئان لهما دور في القبول بالإسلاميين، الأول هو أن الإسلاميين كانوا على استعداد للميل الى جهة أحد الأطراف في الحرب والصراع بين الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي. مرة الى جانب الحزب الديمقراطي ومرة الى جانب الاتحاد الوطني الكردستاني، ونحن لم نقبل ذلك وقلنا أن هذه الحرب وكلا طرفيها وجوهرها وأهدافها هي رجعية وبالضد من مصالح الجماهير، لذا وقفنا ضد كلا طرفيها ولم نتقرب شبراً من الديمقراطي في أثناء خلافنا مع الاتحاد الوطني، وفي خلافنا مع الحزب الديمقراطي لم نتقرب أيضاً شبراً واحداً من الاتحاد الوطني. لقد قام  الإسلاميون بذلك. والثاني هو علاقة الإسلاميين بالجمهورية الإسلامية التي لجأ إليها الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي أيضاً من أجل مساومتهما، وحتى في الحرب فيما بينهما ومن أجل الإبقاء على توازن القوى فيما بينهما، وكان من شروط الجمهورية الإسلامية فرض الإسلاميين عليهما. هذه هي السياسة الهزيلة والمرائية للاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي التي يتجرعان مرارتها الآن على مضض. نحن لا نقبل الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي كسلطة ميلشيا مطلقة على الجماهير ولكنهما لا يتحملاننا سياسياً ولا يتحملان نقدنا لهما.

هاولاتى: حسناً لقد كنتم تتحدثون في مرحلة ما عن النضال العلني والقانوني ومع ذلك لم تكونوا على استعداد للحصول على الإجازة، فلماذا؟

ريبوار أحمد: بلى، نحن طلبنا الحصول على إجازة منذ اليوم الأول لصدور قانون الأحزاب وقدمنا قوائمنا بهذا الخصوص. ولكن حين تبين لنا أنهم غير جادين فيما يقولون وليس لديهم قانون والقانون هو ما يستطيع أي طرف منهما فرضه بقوة السلاح، نحن بدورنا لم نبدِ أهمية إزاء الأمر. وإلا فنحن لدينا إجازة وقد أمضى على الإجازة كوسرت رسول، غير أن إجازتهم كارتونية وشكلية لدرجة أنهم أخفوها حين لم يريدوا إظهارها. نحن لدينا إجازة لصحيفة (بوبيشه وه) وللإذاعة ولحزبنا، ولكنهم ومن أجل مخططاتهم لم يعرضوا علينا إجازة الحزب لرؤيتها، وحتى كانت لدينا ميزانية تصرف لنا بموجب تلك الإجازة.

هاولاتى: ولكن ما هو السبب في أن أغلب مشاكلكم كانت ضمن حدود منطقة الاتحاد الوطني الكردستاني ولماذا لم تكن كذلك ضمن حدود منطقة الحزب الديمقراطي الكردستاني؟

ريبوار أحمد: السبب هو أن جذور ونفوذ الشيوعية في تلك المنطقة أقوى وأرسخ كما هو حال أغلب الحركات السياسية الأخرى، على سبيل المثال كان الشيوعيون في روسيا أقوياء في بعض المناطق المحددة، وفي كردستان إيران نفوذ الشيوعيين أقوى في سنندج، وفي إيران نفوذ الشيوعيين في طهران أقوى منه في الأهواز، ولهذا أسبابه التاريخية، وكما هو حال أي حزب آخر أينما كانت قواك ونفوذك أكثر سيكون نشاطك هناك أكثر وسيكون لك دور اجتماعي أكبر وسيكون بإمكانك أيضاً الضغط هناك بشكل أكبر على السلطة في مواجهة الهجمات التي تشنها ضد الجماهير. وعدا هذا ليس هناك من سبب آخر، فقد كان موقفنا من الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي وحكومتيهما وسياساتهما موقفاً صريحاً وواضحاً، لم يمل الى أي طرف على حساب الآخر، ولم يكن ناعماً مقابل أي منهما وكذلك نحن لم نعلن حرباً مع أي طرف ولم نرد أن نحارب بل أردنا حسم هذا الصراع بأشكال سياسية ومتمدنة. في فترات معينة كانت قوانا أكثر وأرضيتنا أنسب ولهذا كان دورنا أكبر من الآن. وليس صحيح القول بأننا أشد تجاه الاتحاد الوطني، ذلك أن نفوذنا هنا أكبر ولهذا لنا صراعات أكثر هنا، فقد أعتقل منا وتجاه هذا كان لنا رد فعلنا وموقفنا المحدد، فالاتحاد الوطني الكردستاني اعتقل منا وأغلق مقراتنا.

هاولاتى: الحزب الديمقراطي الكردستاني اعتقل منكم وأغلق مقراتكم

ريبوار أحمد: أنه حين قام بتلك الممارسات كان رد فعلنا تجاهه نفس رد الفعل أيضاً، لقد قام الحزب الديمقراطي في مناطق بهدينان بهذا الأمر تجاهنا وكان لنا رد فعل سياسي تجاهه، ولكنك تقول لماذا أنتم أكثر ظهوراً تجاه الاتحاد الوطني الكردستاني، وأنا أقول لأن نفوذنا ونشاطنا في هذه المنطقة أكثر، فلا يمكن أن ننقل قوانا الى أربيل.

هاولاتى: بعد الحادي عشر من أيلول تمهدت الأرضية لحضور الحركة التقدمية والمتمدنة الى الميدان، وفي كردستان طرحت الكثير من الأطراف والأحزاب نفسها كأحزاب يسارية، وأنتم قلما نسقتم معها، فهي تنتقد وتقول أن الحزب الشيوعي العمالي لا يأتي لنجلس معا ونجتمع، أو تقول لا يقبل لغة الجلوس مع بعض على الأقل والاستماع الى الآخر وأن يكون لنا توافق على النقاط المشتركة بيننا.

ريبوار أحمد: في البداية لا أريد أن يتحول الموضوع الى قضية ولكنك لأنك قلت أن الأوضاع بعد الحادي عشر من أيلول أكثر تلائماً لحركة الجبهة المتمدنة أجد من الضروري القول أن الأمور بتصوري على العكس فبعد الحادي عشر من أيلول أصبحت الأوضاع مخيفة أكثر ومظلمة أكثر وبهذا تعرضت البشرية المتمدنة للضغط والهجوم أكثر وأكثر. وبقدر تعلق الأمر بكردستان ووجود أحزاب أخرى يسارية فإنني لا أعرف نماذجها كأحزاب يسارية، ولكن لأطلق دعوتي هنا من خلال (هاولاتى) وقد أطلقتها حينذاك من خلال منبر صحيفة (أكتوبر)، نحن حسب منفتح وليس لدينا أي تعصب، حزب على استعداد للتعاون العملي إذا ما كان لنا توافق معين مع طرف ما على أربع نقاط، نقطتين، وحتى ولو على نقطة واحدة مهمة، شرط أن يكون قوة وله القدرة على القيام بفعل ما، وما أقصده لا أن نجلس فقط ونتحدث ثم نخرج من الاجتماع وبعد مدة نجلس مجدداً للحديث والدوران في نفس الحلقة. إنني أقول أن الموضوع الآن هو موضوع مصير كردستان، موضوع الدستور والقوانين، موضوع المرأة، موضوع الحريات السياسية، موضوع الشبيبة والعاطلين عن العمل، موضوع الإرهاب، وأي حزب وطرف، بغض النظر عن الخلافات الأيديولوجية، حتى لو كان حزباً يمينياً، مستعد للمجيء معنا على أي من هذه النقاط فإنني مستعد للجلوس والتعاون عملياً على أي من هذه المواضيع من أجل مطلب مشترك. نحن لا نقيم الجبهات ربما يكون لنا توافق مع حزب ما على نقطة معينة ونعمل من أجلها ولكننا في نفس الوقت لنا اختلاف على خمسين نقطة أيضاً، يجب أن أكون قادراً أن أتحدث حتى عن اختلافاتي وأخوض صراعي حولها. غير أني هنا أدعو كل حزب وطرف جدي يريد القيام بعمل ما، وأقول إن أطروحاتنا واضحة، أو إذا كان لدى ذلك الحزب برنامج عملي ويقول نحن يساريون وأنت يساريون وهناك تقارب بيننا فلنقم بعمل مشترك، أقول إننا مستعدون لذلك.

هاولاتى: فيما يتعلق بقضية محاكمة صدام حسين يجري الحديث عن المطالبة بإعدامه، بتصورك هل أن قتله قادر على تحقيق مطلب الجماهير؟ وهل سينهي هذه المشكلة في حين أن ما كان موجود هو نظام وبقاياه مازالت موجودة؟

ريبوار أحمد: بدايةً أقول أننا وبموجب برنامجنا ومبادئنا ضد الإعدام، ضد إعدام أي شخص، وبتصوري فإن وجود الإعدام في المجتمع ومثلما أن ذلك جريمة بحق الذي يتم إعدامه هو جريمة بحق الإنسانية، أي أنه ظاهرة قذرة ومريرة في المجتمع حين ينفذ الإعدام ضد إنسان حي. ولكن بما أن قضية صدام حسين كقضية خاصة فإنها تحتمل كلاماً خاصاً، وأنا أقول لا ينبغي جعل صدام حسين بطلاً، فإذا تم إعدامه سيصبح بطلاً. ذلك أن قسماً كبيراً من جماهير العالم العربي الواقع تحت تأثير الحركة القومية العربية والإسلام يعتقد أن صدام حسين هو بطل وقف بوجه أمريكا للدفاع عن أرض الوطن العربي والمقدسات العربية والأمة العربية. فإذا تم إعدامه سيصبح ذلك أكثر تجسيداً وبروزاً. وكما قلت أنت، القضية معقدة، والسبيل المناسب هو محاكمة صدام حسين محاكمة عادلة، ومنحه كل إمكانيات الدفاع عن النفس، بشكل يعرف فيه كل المتوهمين به أن صدام تمت محاكمته في محكمة عادلة، دون غدر، دون خداع وتضليل، ودون ظلم وضغط، وظهر أنه لم يكن بطلاً، بل فاشياً مجرماً قام بالعديد من الجرائم ضد الإنسانية. أعتقد أن بهذا الشكل يجب أن يكون هذا ضربة لجذور وأسس الحركة القومية العربية التي دربت هذا الطراز من المجرمين. وفيما يتعلق بحكم الإعدام قلت نحن ضد الإعدام بشكل عام، وحين تكون مخالفاً ومعارضاً للإعدام سيشمل هذا صدام حسين وشارون وبوش أيضاً. ولكن كما قلت فإن القضية المهمة بالنسبة لي هي كيف نمنع تحويل صدام الى بطل، وماذا يجب القيام به لشفاء هذا الجرح العميق الذي خلفه على جسد جماهير المنطقة والعالم وليس تعميقه أكثر، فإذا تم إعدامه سيجعلون منه بطلاً وسيكتب خمسون كتاباً حول بطولته وسيقولبون أذهان الجماهير ويحقنونها به الى خمسين سنة قادمة.

هاولاتى: أنتم رفعت شعار استقلال كردستان أرجو أن تقدم توضيحاً حول هذا الموضوع

ريبوار أحمد: قبل أيام عقد الاجتماع الدوري الرابع عشر للجنة المركزية وتم الحديث عن ذلك في الاجتماع، فبعد مرور عام وبضعة أشهر على أوضاع العراق الجديدة التي كنا نتصور أن مجالاً كان فيها لسبيل حل مناسب لجماهير كردستان في البقاء ضمن إطار العراق، شرط أن تقوم في العراق دولة غير قومية وغير دينية تنظر الى كل سكانها بعين المساواة، ويكون للناس الناطقين بالكردية مثل الناطقين بالعربية نفس الحقوق المتساوية وأن لا يكون هناك أي تمييز بينهم. غير أن مخططات أمريكا وطرح قانون إدارة العراق وإعلان الإسلام كأساس للدستور وتقسيم السلطة وتعريفها على أساس القوم والطائفة و… فإننا نعتقد أن هذا المجال لم يعد باقياً كما هو وليس بإمكان جماهير كردستان في ظل مثل هذه الأوضاع البقاء كمواطنين متساوين، لذا فإن السبيل المناسب هو أن تنفصل كردستان وتؤسس دولة مستقلة، وتكون هذه الدولة دولة غير قومية، أن لا تكون دولة الكرد بل دولة جماهير كردستان بغض النظر عن اللغة التي ينطقون بها، وأن تكون دولة متمدنة وعصرية، وأن تكون دولة علمانية. حتى إن هذا هو سبيل مناسب لمشكلة ما يقولنه حول المناطق الأخرى التي يسكنها الأكراد هل تضم الى كردستان أو لا؟ وبتصوري أن سبيل الحل في تلك المناطق هو الاستفتاء وسؤال الجماهير عن رأيها حول إن كانت تريد أن تكون مع الدولة المركزية أو مع دولة كردستان، ولكن المنافسة تتم حين تكون دولة كردستان متمدنة وتقدمية وإنسانية لدرجة أن حتى الناطقين بالعربية والتركية من سكان كركوك يسعدهم اختيار دولة كردستان إذا ما تم تخييرهم بين الدولة المركزية الرجعية ودولة كردستان التقدمية. وقولهم أن الحياة في ظلها أنسب، وأكثر طمأنينة وأمناً، أكثر تحرراً وتقدماً ورفاهاً.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here