العراق بعد الانتخابات

0

interview_01دفعت انتخابات يوم 30-1-2005 العراق مجدداً كقضية الى واجهة الأخبار العالمية، وأثارت الكثير من الأسئلة حولها، فإلى أين تدفع هذه الانتخابات بمستقبل المجتمع؟ هل بإمكان الانتخابات التي أقيمت أن تكون قانونية؟ هل بإمكانها أن تكن سبيلاً لإعادة تشكيل الحكومة والدولة في العراق مجدداً؟ هل بإمكان تلك الحكومة والدولة لتي ستتشكل إنهاء الاحتلال الأمريكي ووجود القوات الأمريكية؟ هل بإمكانها إنهاء الإرهاب والتفجيرات وانعدام الأمن الذي يمسك بخناق الجماهير؟ وبشكل عام ما هي السبل التي توجدها الانتخابات لإنهاء السيناريو الأسود في العراق؟ كيف ستكون الدولة والحكومة المقبلة، علمانية أم دولة قومية إسلامية؟ كيف سيكون تقسيم السلطة بين القوى الإسلامية والقوى القومية؟ ما هي مكانة الجماهير؟ ما هي ردود الأفعال التي يتخذها معارضو الحكومة؟ كم سيكون بإمكان الدولة والحكومة التي ستتأسس أن تتمركز، وأين ستصل بقضايا الفيدرالية والنزعات المحلية للشيعة؟ أين سيدفع الصراع على الدستور بين القوى المشكلة للدولة والحكومة بمضمون الدستور؟ أين سيصل  بمكانة الإسلام كدين رسمي للدولة، الفدرالية، حق المواطنة، حقوق وحريات المرأة، الحريات السياسية، قانون عمل للعمال وعشرات المسائل الأخرى؟ أين سيتجه مصير جماهير كردستان بعد الانتخابات؟ هل ستحل القضية الكردية أم سيعود الظلم القومي ضد الجماهير؟ هل ستدفع مكانة ومنصب الكرد في الحكومة والدولة القادمة هذه القضية نحو الحل؟ هل سيتمتع “الكرد” بعد الانتخابات وتأسيس الدولة والحكومة الجديدة بسلطتهم المحلية أي الفدرالية؟ ما سيكون عليه موقف أمريكا والشيعة والأحزاب القومية العربية الآن وفي المستقبل؟ هذه الأسئلة وغيرها سنسلط الضوء عليها من خلال حوار مع الرفيق ريبوار أحمد ليدر الحزب الشيوعي العمالي العراقي. وبإمكان الأشخاص الذين يريدون طرح أسئلة أكثر تحديداً على الحزب الشيوعي العمالي العراقي بإمكانهم إيصال أسئلتهم وملاحظاتهم من خلال رقم الهاتف وعنوان البريد الإلكتروني هذا.

خسرو سايه: يقال أن الانتخابات كانت حدثاً قل نظيره خلال الخمسين سنة الماضية من سيادة الحكومات المتعاقبة في العراق، فهذا هو نموذج “للديمقراطية” والتصويت الحر..وقد تحدث الكثير من الأشخاص بهذا الخصوص، بدءاً من جورج بوش وصولاً الى الكثير من رؤساء العالم وحتى الياور وعلاوي، والطالباني والبارزاني..فقد أجمعوا كلهم على مدح هذه الانتخابات..ما هي وجهة نظركم أنتم، وماذا تقولون بشكل عام عن هذه الانتخابات؟

ريبوار أحمد: أنا أيضاً أعتقد بعد عشرات السنين من القمع الدموي وانهيار النظام البعثي الذي خنق أنفاس الحرية، تشكل هذه الانتخابات أسخف السيناريوهات التي أقيمت باسم الديمقراطية والانتخابات الحرة وأكثرها هزالاً في العراق. كانت سيناريو تعميق السيناريو الأسود، سيناريو إضفاء الطابع الرسمي على الاحتلال وتقسيم المواطنين والسلطة والمناطق على أساس القوم والطائفة والدين والعشيرة، سيناريو إشاعة وإضفاء الرسمية على أكثر أشكال التفرقة والعصبيات الفاشية القومية رجعية وتداعياً وخلق العداء والشقاق بين صفوف المواطنين ذوي المصير المشترك.

قائمة الأسماء التي ذكرتها والتي تحدثت في مدح هذه المهزلة، ليست هناك أية صحة ولو مقدار ذرة في تحليلاتها وتصوراتها ونظرياتها ولا أعطي أية أهمية لهذا النوع من النظريات التي تريد الإقناع باسم الديمقراطية والحرية بهذه الانتخابات. فهؤلاء الأشخاص كانوا هم اللاعبون الأساسيين ومنظمي هذه المسرحية الخادعة. وبهذا الخصوص ليس هناك من شك في أنها ساهمت في سياستهم وأهدافهم الرجعية، ولهذا ساندوها بكل طاقاتهم وقاموا بتنظيمها. الأسماء التي ذكرتها هي التي تقف خلف هذا السيناريو الأسود الذي حل محل خمسة وثلاثين عاماً من السلطة القمعية للبعث. هؤلاء الأشخاص ليس عندي فقط بل وعند كافة الرأي العام التحرري العالمي لا يمثلون التمدن والحرية وحتى الديمقراطية وليس هذا فقط بل إن مخططاتهم ومشاريعهم المشتركة لخلق هذه المأساة في العراق تواجه احتجاج وسخط وغضب الجماهير المليونية المتمدنة في كافة أرجاء العالم.

خسرو سايه: ولكن بالرغم من كل هذه الأوضاع المضطربة التي تعرفون بها قامت الجماهير بالتصويت، أليس هذا كافياً كي يقولوا أن هذه الانتخابات شرعية وبإمكانها أن تكون سبيل الجماهير لتحديد السلطة القادمة؟

ريبوار أحمد: إنني لا أعرف كم للشرعية اللاشرعية من أهمية في العالم المعاصر لدى هذه القوى والأطراف التي تقف خلف ما يسمى بالانتخابات، كذلك أي منها يلتزم ولو بأقل ما يمكن بالشرعية، والأهم من كل ذلك هو عن أية شرعية يجري الحديث وبأية معايير، كي يمكننا الحديث عن لاشرعية مسرحيتها؟ لو كانت تلتزم ولو بأي معيار للشرعية لكان لنا أن نتحدث بآلاف الدلائل على لاشرعيتها لنصل في آخر الأمر لآخر دليل على لاشرعيتها ألا وهو نسبة مشاركة الجماهير. نفس حرب أمريكا ضد العراق وبالرغم من معارضة مجلس الأمن التابع لها، ورغم الاحتجاجات المليونية لجماهير العالم ونفس جماهير أمريكا وبريطانيا، وكذلك نفس احتلال العراق هو أكبر الأعمال اللاشرعية.

بالتأكيد أن قضية شرعية ولاشرعية الانتخابات في ظل الاحتلال الأمريكي لم تكن عاملاً رئيسياً بالنسبة لنا في اتخاذ موقفنا، فقد حددنا موقفنا بشكل أكبر على أساس جوهر ونتائج هذه العملية. ولكن إذا جُعل موضوع الشرعية محوراً للتقييم، فإن من السخرية بالشرعية أن تأتي قوة عالمية من أقصى مناطق العالم وتفرض نفسها على مجتمع من خمسة وعشرين مليوناً وتفرض على مواطنيه كي يقررون نظام حكمهم بالتطابق مع سياساتها ومصالحها.

كذلك هل تعطي هذه القوى القومية والدينية أية أهمية للشرعية واللاشرعية، كي يتحول هذه الموضوع الى موضع بحث وتقييم لهذا السيناريو؟هل كانت سلطة الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الكردستاني حين رميا في انتخابات عام 1992 بنتائج تصويت الجماهير الى سلة المهملات وقسموا السلطة مناصفة فيما بينهما على أساس ميزان قواهما المليشياتية؟ هل كان لسلطتهما المليشياتية الصريحة شرعية بعد موت برلمانهما؟ بعد عشر سنوات من انتخابات 1992 وانهيار برلمانهما هل كان سحب جثة برلمانهما مجدداً الى مسرح السلطة شرعياً؟ هل أن سلطة الطالباني المطلقة التي أزاح نوشيروان نائبه الستار عن فساده وفرديته وسلبه ونهبه الذي لا يعرف الحدود كانت شرعية؟ ولكن في النهاية فإن القضية الرئيسية هي أننا أكدنا وبصحة على أن هذا السيناريو هو في الأساس يفتقر لأي معيار وشرط من معايير وشروط الانتخابات كي يجري الحديث عن الشرعية واللاشرعية. وبتصوري فإن هذه الضجة التي يثيرونها هي ضجة فارغة والاحتكام الى الشرعية واللاشرعية هي أمر ليس بنافع لهم.

في الحقيقة إن ضجيجهم حول شرعية هذه الانتخابات هي الدليل الصارخ على لاشرعيتها. إنهم يعرفون أن صرخة (لا) لهذا السيناريو على قدر من الوضوح بحيث لا يمكنهم التغافل عنها ولهذا هم يحاولون قدر ما شاءوا من أجل طمس تأثيراتها. إنهم يعلمون أن هذا السيناريو لم يكن شرعياً ولهذا يقسمون بشرعيته. في الحقيقة وبعكس ما تروج له قنوات الدعاية الرسمية، ليست مشاركة الناس بل عدم مشاركتهم وسخريتهم وتندرهم بهذا السيناريو كان الأبرز وقل نظيره في تاريخ العراق. إنهم وبالرغم من كل أساليبهم وممارساتهم اللاديمقراطية حتى، لا يمكنهم الإدعاء أن أغلبية جماهير العراق شاركت في التصويت، في الوقت الذي اتخذوا فيه كل أسلوب معادي للإنسانية وممنوع وفق المعايير المدنية لجر الجماهير. فالإسلام الشيعي جعل من المشاركة في الانتخابات واجباً دينياً وهدد الناس بنار جهنم في حال عدم المشاركة، وتم التهديد صراحة بقطع المواد الغذائية والأجور وحق العمل من الأشخاص الذين لا يشاركون في التصويت، وفي كردستان ألقي في أسماع الجماهير أن أي شخص لا يصوت للقائمة الكردية لا يمكنه السكن في كردستان. وفق أية معايير حضارية تضاف الى خانة الدعاية السياسية والانتخابات؟ هذه الجماهير التي تقاد بهذه التهديدات الى صناديق الاقتراع، بأي معيار يمكن القول أنها صوتت بحرية؟ إذا اعتبرت كل هذه الأساليب والضغوط لجر الجماهير شرعية، وبهذا يتم جعل عدد المصوتين أساساً للشرعية، فإن علينا القول أن مهازل البعث للانتخابات هي شرعية مئة مرة مقارنة بما قام به هؤلاء!!!

والأدهى من ذلك أن البرنامج والمشروع السياسي لم يكن بأي شكل من الأشكال محوراً في دعاية الأطراف داخل هذه المهزلة، بل تم الإمساك بأكثر أشكال الدعاية الفاشية القومية والطائفية وضوحاً وأثيرت أكثر المشاعر المعادية للإنسانية تخلفاً لتحريك الناس. ومن المؤسف أن هذا السيناريو كان في الحقيقة فتيل حرب قومية وطائفية في العراق وستترك نتائجه ثقلاً كبيراً على كاهل الجماهير. لو كان هناك مكان تتواجد فيه أبسط المعايير الإنسانية والحضارية، لكان من المفترض منع هذه الدعاية والدعوات الفاشية. مقلدو المذهب الشيعي تم تحريكهم للتصويت ببرنامج معادة أتباع المذهب السني والكرد، والناطقون بالكردية تم تحريكهم ببرنامج معادة الشيعة والناطقون بالتركية والعربية، وكذلك تم تحريك الناطقين بالتركية والعربية بهذا الشكل. فكيف يتطابق هذه مع الحرية والإنسانية وحتى الديمقراطية؟ وأي شيء ينتظر من هذا لمستقبل أفضل؟

باختصار إنني اعتقد أن هذه كانت مهزلة نظمت باسم الحرية والديمقراطية، و كانت صرخة (لا) الجماهير ضد هذه المهزلة قد قل نظيرها في تاريخ عشرات السنين الماضية في العراق وليس مشاركة الناس فيها. على سبيل المثال وبالمقارنة بانتخابات 1992 في كردستان يمكن بوضوح رؤية هذه الـ(لا). وهذا عامل يرسخ أساس تيار وجبهة اليسار والتحررية والعلمانية في الساحة السياسية العراقية. في خاتمة المطاف وفيما يتعلق بهذه النسبة التي يقولون عنها “بارزة” من الجماهير التي شاركت، فإن هذا لن يغير من الجوهر الرجعي والمأساوي لهذا السيناريو، وبرأيي أن كل من شارك أياً كان عددهم كانوا على خطأ، وسيعضون بعد مدة أصابع الندم مثل الذين شاركوا في انتخابات البرلمان عام 1992. ليس بإمكانهم القول أن أغلبية الجماهير شاركت، وحتى لو كان الأمر كذلك، فإن كثرة وقلة المشاركين هي عامل وله أهميته في الميدان السياسي، غير أنه لا يشكل أبداً دليلاً على الصحة أو عدم الصحة، ليس دليلاً على الحقانية والمشروعية، فقد بين التاريخ لآلاف المرات أن الأغلبية كانت على خطأ والأقلية كانت محقة. وحتى لو كان 99% من جماهير العراق قد شاركوا في هذا السيناريو فإن هذا لن يخلق لدي أدنى شك في صحة موقفي وسلامته.

خسرو سايه: يقال أن هذه الانتخابات كانت قلباً لأوضاع خضوع الشيعة والكرد مقابل الاستبداد السني ولهذا كانت نسبة المشاركين على الأغلب من هذين الطرفين؟

ريبوار أحمد: من المؤسف، أن الحركة القومية الكردية والتيارات الإسلامية الشيعية استفادت بشكل سيئ من اضطهاد ومصائب هذين القسمين من مواطني العراق التي حلت بهم على يد النظام الفاشي البعثي، وجعل هذا الأمر رأسمالاً سياسياً لأهدافها الرجعية. وهذه المرة تمت الاستفادة في ما يسمى بالانتخابات من تاريخ هذا الاضطهاد وتم جعله أساساً رئيسياً للتحريك والخداع والتضليل. إلا أن القضية في الحقيقة هي بالعكس، فالقضية الرئيسية في هذه الانتخابات لم تكن تحرر وخلاص جماهير كردستان وأتباع المذهب الشيعي من الخضوع والاضطهاد، بل جر تلك الجماهير وكافة جماهير العراق الى ظل السلطة الرجعية القومية والإسلامية، وجرها الى منزلق ومستنقع الصراعات القومية والطائفية الرجعية وغير المنتهية. والحلقة الأخيرة من هذا السيناريو جعل جماهير العراق تنقض على بعضها البعض على أساس هذه الهويات الزائفة والفارغة. وإذا نجحت تلك القوى في مخططاتها ومؤامراتها، فإنها بصدد تنظيم مرحلة جديدة من التراجيديا والمصائب لكافة جماهير العراق وبضمنها الناطقين بالكردية وأتباع المذهب الشيعي.

إن نظرة بسيطة واقعية بعيداً عن العنتريات القومية والطائفية تبين أن الجماهير الناطقة بالكردية وأتباع المذهب الشيعي في العراق، لم تكن خاضعة ومضطهدة من قبل الناطقين بالعربية واتباع المذهب السني، بل كانت خاضعة ومضطهدة على يد نظام فاشي قومي-إسلامي. فلم يكن النظام البعثي ممثل الجماهير الناطقة بالعربية وأتباع المذهب السني، بل ممثل الحركة القومية العربية المختلطة بالإسلام. لقد كان واضحاً أن أبرز ظلم النظام البعثي كان لجماهير كردستان وسكان جنوب العراق، ولكن ليس قليلاً عدد أولئك الناطقين بالعربية واتباع المذهب السني الذين اعدموا وقتلوا وتم قمعهم على يد النظام البعثي أو الذين تم جعلهم حطباً وضحايا لصراعاته الرجعية. ولهذا فإن حقوق مضطهدي العراق لم تستلب من قبل الناطقين بالعربية وأتباع المذهب السني بل من قبل النظام القومي الإسلامي المركزي. ولكن هذه الانتخابات تريد من جديد فرض نظام قومي إسلامي بنفس الجوهر على العراق. في حين أن تحرر جماهير كردستان وكافة جماهير العراق من الظلم والاضطهاد والقمع وتحقيقها لحقوقها الأساسية مرهون بمجيء نظام غير قومي وغير ديني وعلماني وعصري. أي بديل على العكس تماماً من البديل الرجعي الذي من المقرر مجيئه الى الحكم من خلال مهزلة الانتخابات هذه.

خسرو سايه: واحدة من القضايا المحورية في العراق بعد الانتخابات قضية تأسيس الدولة والحكومة، أي نوع من الدولة والحكومة ستكون، برأيكم، دولة ومستقبل العراق؟

ريبوار أحمد: بتصوري مازال أمام المجتمع العراقي وعملية بناء الدولة القادمة في العراق مرحلة انتقالية، ولن تحسم هذه القضية في فترة قصيرة. تحقيق هذه العملية مرهون بصراع القوى والحركات الرئيسية داخل هذا المجتمع. فهناك ثلاثة أقطاب مختلفة على الساحة السياسية العراقية ببدائلها الثلاثة المختلفة لإعادة تشكيل وبناء الدولة. قطب الإسلام السياسي المتصارع مع أمريكا، قطب أمريكا وحلفائها الحافل بتناقضات القوميين والإسلاميين، وجبهة اليسار والتحررية والعلمانية.

وبتصوري أنه لتحليل سطحي ذلك الذي يظن أن بإمكان أمريكا وحلفائها من خلال هذه الانتخابات الكارتونية حسم قضية الدولة في فترة قصيرة بترسيخ دولة قومية-إسلامية أو أية دولة كانت تابعة لأمريكا. صحيح أن هذا القطب يلقي بظلاله بشكل رئيسي على المجتمع العراقي، إلا أن هناك مئة عقبة وعقبة ومانع تقف أمامه كما أنه يحمل في داخله مئة معضلة ومعضلة في داخله. برنامج عمل هذه القطب للمرحلة القادمة يحمل جولات من الحرب والصراع للتوافق على بديل يرضي الجميع. والواضح في هذه المرحلة خصوصاً أن سيناريو الانتخابات كانت حلقة منها، أن الإسلام الشيعي قدم حصانه وامتطاه، إلا أن الأمر لم يحسم بعد.

القطب الثالث الذي يتضمن حزبنا والمنظمات العمالية والجماهيرية الراديكالية والتحررية، يسعى لإنهاء هذا السيناريو الأسود وإعادة تنظيم المدنية. وهذا يتطلب منذ الآن تنظيم حركة جماهيرية عريضة قادرة على الصعيد الداخلي أن تنظم وتوحد القوى الجماهيرية العريضة للعمال والنساء والشبيبة والجماهير التحررية حول اللائحة والبرنامج العملي للحرية والعلمانية وأن تجعل على الصعيد العالمي من جبهة البشرية المتمدنة تقف خلف هذه القوى والبرنامج العملي. وهذا ما يشكل الآن المحور الرئيسي لنشاطنا وعملنا لإنهاء السيناريو الأسود ولإعادة تنظيم المدنية والدولة.  وعلى الرغم من أن أمريكا والقوى القومية والدينية دفعت بالمجتمع حتى الآن نحو هذا المستقبل المظلم الذي تتطلع إليه، غير أن مصير مستقبل العراق مازال غير محدد ولم يحسم بعد، وهو مرهون بصراع هذه الأقطاب.

ولكن فيما يتعلق بما تروج له أمريكا والقوى التابعة لها والإدعاء بأن هذه الانتخابات قد أنهت الدكتاتورية وأشرقت شمس الديمقراطية في سماء العراق، فإن هذا لا يعدو أن يكون سوى خداع وتضليل لا غير. إن الديمقراطية حتى في أشكالها الأصيلة لا تحمل أياً من أماني وتطلعات جماهير العراق، غير أن هذه المسرحية أسخف حتى من مقارنتها بالديمقراطية. أمريكا هي أكثر منتهكي الحقوق الديمقراطية صلابة في ذلك، وبقية الأبطال في هذه المسرحية هم أكثر الأطراف رجعية وإجراماً خلال العام أو العامين الماضيين من تاريخ العراق وكانوا دكتاتوريون قدر ما طالت يدهم واقتدروا. إنهم يمثلون العشائرية والعصبيات القبلية والطائفية وليس لهم حتى أي شبه بالديمقراطية. على الأقل خلال ما يقارب العامين الماضيين كشفوا عملياً من برنامجهم وتناقضهم الشديد مع الحرية والإنسانية والتقدمية والتمدن وحقوق العمال والمرأة والشبيبة والجماهير المضطهدة وحتى مع أبسط معايير الديمقراطية. والأكثر من ذلك فإن ما ينتظر منهم ليس سوى الوهم والخداع والتضليل لا أكثر .

خسرو سايه: هل بإمكان الدولة والحكومة التي ستقام بناء “عراق موحد ومتمركز” وفي نفس القوت إنهاء “الاحتلال الأمريكي” والإرهاب وأوضاع انعدام الأمن وحالة الحرب الراهنة؟

ريبوار أحمد: لقد قلت أن بديل الدولة العراقية القادمة مازال غير محدداً ولم يحسم بعد، كي يمكن توقع الخريطة والمستقبل السياسي للعراق في ظلها. وإذا كان المقصود من هذا السؤال افتراض أن أمريكا والقوى التابعة لها قادرة بفضل هذه الانتخابات تأسيس الدولة المرتقبة، فإنني أرى هذا افتراضاً لا غير. ولكن هذا هو بكل الدلائل بديل لإقامة أكبر اضطراب وفوضى اجتماعية على الإطلاق في العراق، بديل للسلطة المحلية لكل طائفة وقوم وعشيرة، لإبقاء القوات الأمريكية في احتلالها مع توريط الحكومة الجديدة بصراع الإرهاب الإسلامي، بديل لتعميق انعدام الأمن والإرهاب والحرب الحالية.

ولكن فيما يتعلق بما تقولون “عراق موحد ومتمركز”، أقول في البداية أن وحدة الأراضي العراقية من منظارنا ليس لها أية قدسية، وحدة الأراضي هذه إذا لم تكن بشرط أن تكون إطاراً تتحقق فيه الحرية والهناء والحقوق المتساوية لكافة المواطنين، من الأفضل أن تتحطم. بالشكل الذي نطالب نحن فيه في هذه الظروف بانفصال كردستان وتأسيس دولة مستقلة. فهذا أفضل من جر مجتمع كردستان الى إلحاق إجباري وسيناريو أسود ومواطن من الدرجة الثانية، ثم بعد ذلك يتم وضعه في صراع رجعي مع بقية سكان العراق.

من غير شك وبالأخذ بنظر الاعتبار هذه العوامل السابقة، فإن المستقبل الأفضل للعراق هو أن يظل هذا المجتمع موحداً وأن تتم إدارته بدولة واحدة وقانون واحد، شرط أن تكون الدولة العراقية غير قومية وغير دينية وعلمانية وتقدمية وتؤمن المساواة بين المواطنين بغض النظر عن الهوية القومية والدينية و..الخ. هذه هي رؤيتنا لعراق موحد، ولكن في ظل هذه الأوضاع فإن حظ بقاء العراق موحداً إذا لم أقل بالتأكيد أقول الى حد كبير مرهون بانتصار بديلنا. نحن قادرون على أساس محكم وإنساني وحافل بالسعادة ضمان وحدة واستقرار ورفاه العراق. فالبدائل الأخرى وعدا عن رجعيتها وتناقضها الشديد مع حرية واستقرار وأماني وتطلعات جماهير العراق، فإنها في نفس الوقت تمزق أوصال هذا المجتمع وتجعل من سكانه ينقضون على بعضهم البعض. وهو ما قاموا به لحد الآن.

خسرو سايه: كيف ترون تشكيلة البرلمان والحكومة وكيف ستكون التوافق والتقسيم المتوقع من قبل “الكرد”، “الشيعة”، و”السنة” والآخرين، وأين سيصل دور أمريكا ودول المنطقة بصددها؟

ريبوار أحمد: من الواضح أن القصد هو ذلك البرلمان والحكومة التي ستخرج كحصيلة لهذه الانتخابات، النقطة الرئيسية في تشكيلتهما ليست أي طرف منها كم ستكون نسبته وحصته وهذا ما لا يمتلك أية أهمية من وجهة نظري ومن زاوية مصالح الجماهير، ولكن تصوروا انتخابات جرت بصراع وسباق بين “الكرد والعرب والترك والكلدوآشوري والشيعة السنة والمسيح و” والآن من المقرر تشكيل حكومة وبرلمان من ممثلي هذه التقسيمات. هذه الكتل ليس مقرراً أن تتصارع مع بعض والحصول على الأكثرية على أساس البرنامج السياسي، ليس على أساس اليمين واليسار والوسط، ليس على أساس المحافظة أو الإصلاح والثورية، بل على أساس تمثيل “قومها وطائفتها ودينها”. فأية ملامح مزيفة وهزيلة ومقلوبة يرسمونها للمعضلات والصراعات داخل المجتمع، وهنا ليس مهماً من هو ممثل أية مطالب ورفاه اقتصادي وسياسي واجتماعي للمجتمع، بل إن كل شخص وطرف هو ممثل لغة وعشيرة ومعتقد، إن هذا لهو خداع وتضليل يحرف الجماهير عن مسار النضال في سبيل مطالبها وأهدافها من أجل تحسين حياتها ومعيشتها. وهو ينسي الجماهير من الأساس مطالبها الواقعية المتعلقة بحياتها اليومية ويضع محلها جملة من المسائل الفارغة والمصطنعة. إنهم يصورون الأمر وكأن حق الناطقين بالكردية أكله الناطقين بالعربية، وحق الناطقين بالتركية لدى الناطقين بالكردية وحق السنة لدى الشيعة. وبهذا لا يدعون مجالاً للمواطنين كي يشعروا بمعزل عن لغاتهم واتجاه قبلتهم بالوئام ووحدة المصير لتحسين حياتهم وتحقيق مطالبهم.

أياً ما ستكون عليه تشكيلة هذه البرلمان والحكومة، ستستمر من غير شك هذه الجماعات في الصراع والأخذ والجر، وليس لها أية قناعة بحق الآخر الذي تتحدث عنه كذباً وزوراً في الدعاية الرسمية. ولن تلتزم أبداً بدفع صراعها الى الأمام بشكل حضاري أو بشكل ديمقراطي ومن خلال التصويت والاقتراع. بل سيسعى كل طرف بأية مخططات وبالتعاون مع أية دولة من دول المنطقة والعالم والتبعية لها ، لأن يكون أقوى من الآخر. وهذا هو سيناريو الصراعات والنزاعات القومية والطائفية غير المحسومة التي سيغرق فيها المجتمع.

وفيما يتعلق بكيفية اتفاق هذه الجماعات داخل هذا السيناريو مع بعضها البعض لتشكيل الحكومة، في الحقيقة يمكن أن يحدث كل شكل من أشكال الائتلافات غير المنتظرة . القضية الرئيسية في مثل هذا النوع من الإئتلافات ليست البرنامج السياسي والتقارب بين البدائل، بل الحصول على قسم أكبر من السلطة. فعلى سبيل المثال يمكن أن يُنتظر من جلال الطالباني أن يكون مؤيداً لسلطة إسلامية وأن يكون داعية من دعاة العلمانية أيضاً، وأياً منها يمنحه امتيازاً أكثر يحظى بأكثر ما يمكن من تأييده، وليس مسالة أية نتائج لأي واحد منها للمجتمع. كما أن دول الجوار تتدخل بشكل واسع لبلورة الدولة العراقية القادمة وفق مصالحها، خصوصاً وأن إيران جعلت من العراق ميداناً للضغط على أمريكا وتسعى بشكل حثيث وواسع لتقوية الجماعات الإسلامية. على الرغم من أن أمريكا تسعى للحفاظ على توازن معين بين هذه القوى بحيث يكون لكل طرف منها مكانته وتستخدمها كلها.

خسرو سايه: الصراع حول دستور البلاد ستكون الخطوة التالية للصراع بين القوى بعد نهاية الانتخابات وتشكيل البرلمان العراقي..ومنذ الآن رفع الناطقون بالمرجعية الشيعية في النجف و”هيئة العلماء المسلمين” البطاقة الحمراء حول وجوب أن يكون الإسلام الدين الرسمي للبلد وأن تكون الشريعة الإسلامية مصدر قوانين الدولة، ومن جانب آخر يشكل التعريف الفدرالي شرطاً آخر تطرحه الأحزاب الكردية..برأيكم هل بإمكان دستور البلاد القادم أن يكون بكل هذه التناقضات أساساً للدولة التي تطمح إليها جماهير العراق، أو على الأقل يضمن التفاهم والوئام ووحدة جماهير العراق؟ هل ستقبل أمريكا مرة أخرى أن يكون الإسلام أساس الدولة العراقية، وكيف ترى ردود أفعال الجماهير ومناصري العلمانية إزاء هذه القضايا؟

ريبوار أحمد: بتصوري إن دستوراً تصوغه هذه القوى والأطراف سيكون له نفس جوهر المشروع المسمى “قانون إدارة العراق”. وفي الحقيقة أعلن ذلك القانون بشكل من الأشكال أن الإسلام هو الدين الرسمي وأساس القانون، غير أن الإسلاميين الذين يعتبرون أنفسهم منتصرين في مهزلة الانتخابات هذه ويرون فيها نقطة قوة لهم، يريدون جعل دور الإسلام أكثر بروزاً  وأن تتخذ الدولة طابعاً إسلامياً تاماً. هم بصدد تصعيد وتشديد ضغطهم. فهذه الجماعات ومنذ فترة مؤتمر لندن وقبل بدء الحرب الأمريكية ضد العراق، وصولاً الى الوثائق في مجلس الحكم التي أعلنتها فيما بعد، قد بينت وبالرغم من الخلافات والتناقضات فيما بينها، إلا أنها متفقة في الرأي على أن يصاغ دستور البلاد على أساس قومي-إسلامي.

وليس هناك من شك أن هذه الدولة التي تريد هذه القوى إقامتها في العراق، ليس بسبب التناقضات الداخلية لهذه القوى كما ورد في سؤالكم، بل بسبب تناقضها الشديد وعدائها الأعمى للحرية والتمدن والعلمانية وكافة أماني وتطلعات الجماهير التحررية الغفيرة، العمال والنساء والشبيبة، ليست فقط عاجزة عن أن تكون الدولة التي تطمح إليها الجماهير، بل وإنها ستواجه بسرعة وقبل أن تنمو نضال واحتجاجات الجماهير. ومن غير شك أن هذا هو خطر كبير على المجتمع العراقي، فإذا تحقق سيتم فرض بديل أكثر رجعية في جوهره من النظام الفاشي البعثي على الجماهير. وعلى جموع الجماهير التحررية وجبهة العامل والحرية والعلمانية أن تسعى بكل طاقاتها منذ هذه البداية للتصدي لها وإحباطها.

وفيما يتعلق بموقف ودور أمريكا، فإنني أعتقد أن أمريكا ليس لها أية مشكلة مع نفس الإسلام وأحكامه وشريعته، فها هي الدولة التي صنعتها في أفغانستان تحكم بنفس الشريعة والأحكام. والسعودية التابعة لها هي على نفس الشاكلة. أمريكا لها مشكلة مع تلك التيارات الإسلامية التي تنمو وأفلت زمامها وخرجت من يد أمريكا وليس مع الإسلام نفسه. أمريكا لها مشكلة مع مجيء دولة شبيهة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، ليس بسبب جوهرها الإسلامي بل بسبب مشاكلها وصراعها مع أمريكا. وحتى أن المسؤولين الأمريكيين أعلنوا بصراحة أن ليس لديهم أية مشكلة في خلط الإسلام والدولة والدستور والقوانين.

ولكن وبالإضافة الى توافق هذه القوى على المحاور الرئيسية لدستور رجعي قومي وإسلامي، هناك بعض الجوانب الأخرى التي تصبح محل صراع وجدال بينها. هذه القضايا والتناقضات فيما بينها هي جدية، ولكن في الحقيقة ليس لها أية صلة بمطالب ورغبات الجماهير. على سبيل المثال تشكل الفدرالية قضية غير محسومة وستجر خلفها الكثير من الجدال والأخذ والرد. خصوصاً بالدرجة التي يتقوى دور الإسلام الشيعي في الدولة بنفس الدرجة ستوجد مشاكل جدية أمام تحقيق مطلب الحركة القومية الكردية هذا. وأساس هذه القضية هي أن القوميين الكرد يمسكون بالفدرالية كمشروع يضمن مشاركتهم وحصتهم في السلطة لا أي شيء آخر، رغم أن منافسيهم الآخرين لا يقبلون لهم بهذا الجزء والحصة ولا يريدون القبول به. بجملة واحدة أقول أن دستوراً تطرحه هذه القوى والأطراف هو رجعي حد النخاع، إلا أن جبهتهم هزيلة وحافلة بالتناقضات والصراعات.

خسرو سايه: على أية حال فإن الانتخابات الحالية ستؤسس دولة وحكومة على الرغم من أنها ستكون باسم الجماهير..ألا يعني هذا نهاية السيناريو الأسود الذي تستخدمونه تعريفاً لوصف أوضاع العراق ويدفع بالصراعات بين الأطراف والقوى الى أوضاع طبيعية وروتينية، كيف ترون السيناريو المتوقع أمام الحكومة المقبلة؟

ريبوار أحمد: كلا..أن مشكلتنا الرئيسية مع هذه المسرحية هي أنها ستعمق وتطيل أكثر هذا السيناريو السود الحالي. وستبقى قوى أمريكا هذه المرة في العراق تحت تسمية طلب “الدولة المنتخبة والوطنية”. وسيبقى العراق ميداناً رئيسياً لحرب الإرهابيين وستعلق أمريكا في العراق هذه الحرب في عنق الدولة التي صنعتها. وبالإضافة الى كل ذلك وكما أشرت فيما تقدم ستقوم ما تسمى بالانتخابات بإلقاء الزيت على نار الصراعات القومية والطائفية. وسيشكل النزاع والصراعات بين الأطراف داخل هذه اللعبة خطراً كبيراً على المجتمع.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here