من اجل بناء حزب سياسي موحد!

0

تقييم لبحث الوضع السياسي للحزب في البيلينيوم 32

ان هذا الموضوع هو امتداد لبحث(الحزب الى اين، اي تصوير للحزب) وقد كتبته في 24 ايلول 2016 وطرحته للاجتماع الموسع 32 للجنة المركزية. لقد نوقش في البلينوم بصورة واسعة ،وقد تم التاكيد عليه بصورة جيدة الى حد ما. وبعد ذلك، ومن اجل ادامة هذه التوجهات وضعت هذا البحث بين ايدي المكتب السياسي عبر الرفيق مؤيد احمد وطلبت ايصال كلا البحثين الى صفوف الحزب بوصفها كتابات داخلية.  الى اي حد وصل بايدي صفوف الحزب ام لا، فالان على كوادر الحزب واعضائه ان يحكموا!

يخيم الوضع السياسي للحزب على اذهاننا. و مع اي اختلاف مع وجهات نظرنا ، فان ما جاء في البلينيوم  ال 32 قد وحد، وعلي الاقل، وجهات نظرنا حول ان اوضاع الحزب على  درجة من التدهور تصل لحد القلق، بحيث اصبح الحديث عن تقييم الوضع السياسي للحزب و الاشارة الى المعضلات وسبل اخراج الحزب من هذه الاوضاع امرا ومسالة حياتية ولا يمكن التغاضي عنها. وفي الوقت نفسه اصبحت مسالة ايجاد رؤية مشتركة داخل قيادة الحزب هو شرط مسبق اساسي للخروج من هذه الاوضاع. فمع اقتراب موعد عقد البلينيوم 32، و بعد ان قرأت واطلعت على اعداد نشرة ـ نحو البلينيوم – وكذلك الحال من خلال تبادل وجهات النظر مع بعض الرفاق الذين كانوا  يسألونني عن رأيي بشأن اوضاع الحزب ومعضلاته، احسست باني افكر بأمر الحزب والمشاكل التي تعترضه واوضاعه بشكل مغاير ويختلف عن الاراء الاخرى، وتولدت لدي قناعة بانه من  الافضل ومن الاکثر اصولیة ان  اقوم بتدوين ارائي و تصوراتي و ان اضعها امام کل القيادة بشكل متساو، وان اوفر فرصة للكل لان يتفقوا او يختلفوا مع تلك الاراء او ان يتخذوا اي موقف اخر منها بشكل اسهل وشفاف. و بهذا الصدد، قمت بكتابة ( الى اين يتجه الحزب ، و اي تصور للحزب؟ ) وبعد ان نشرت في نشرة  – نحو البلينيوم-  و صدور عديدين اخرين بعدها  ( اي بعد العدد الذي نشر فيه البحث اعلاه) والاطلاع على ما جاءت بها من ابحاث ، اقتنعت بعدم وجود اي تغيرات، وان الاوضاع باقية على نفس المسار، وان ما طرحته في بحثي لم ياخذ حقه من البحث  والتفكیر. و احدث لدي قلق  بما سيكون علیه جواب البلينيوم حولە و حول هذا الظرف الذي يمر به الحزب الان، خصوصا ان ما ركزت عليه في بحثي كانا امران اساسيان هما؛

اولا/ ان الحزب الشيوعي العمالي العراقي، بمعنى حزب في المیدان السياسي و الجدالات و الاحداث والاحتجاجات و بمعنی انه تشكيل سياسي و تنظيمي و نسيج حزبي يدفع بممارسة شيوعية مشتركة وواضحة  للارتقاء باستعدادات الطبقة العاملة نحو الثورة العمالية، وطرح بديل وسياسة وتكتيك شيوعي واضح لاوضاع المجتمع الحالية و لاية مشاكل ومعضلات قادمة، لم يعد حزبا قائما. وعليه، و على ضوء المقياس البسيط جدا لاي حزب سياسي، لا كحزب اجتماعي، فان حزبنا، ماعدا الاسم الذي يحمله ، بات فاقدا لاي دور ملموس له في المجتمع بكل المقاييس العملية والسياسية. حزبا، بالاضافة الی مشاكله الداخلية التي ترمي به الى مصير غير معلوم ، فانه في الميدان السياسي  يواجه خطر التلاشي والاندثار التام الذي سيدفع، ومن الان، لان يبتعد عنه افراده الشيوعيون الذين كانوا ملتفين حول اسمه.

ثانيا/ اذا مااراد شخص ما ان يعدد اسباب هذه الاوضاع بشكل منصف، فانها كثيرة و متنوعة، منها صعوبة الاوضاع السياسية والاجتماعيه للعراق والمنطقة والعالم، وصعوبة العمل في ظل هذه الاوضاع، الضعف العام لمكانة الشيوعية والصراع الطبقي و الانقطاع التاريخي للشيوعية عن الطبقة العاملة، الضربات التي تعرضت لها بشكل خاص حركة حزبية تعرف بالحركة الشيوعية العمالية، المعضلات السياسية والاجتماعية  والتقاليد داخل حزبنا والتي جاءت معه منذ يوم ولادته و….الخ. ولكن وبغض النظر عما ذكرته، فان هناك عاملا ذاتيا يدفع الان بالحزب بوضوح  الى حافه الانهيار، الا وهو عدم وجود مشروع سياسي  لحزب موحد في دستور الاعمال، فالحزب منقسم على نفسه من اعلاه الى اسفله في استقطابات غير سياسیة ووجود محفلية تنخر ما بداخله، بحيث انه ماعادت هناك اية هيئة او مؤسسة حزبية  تعمل لمشروع سياسي حزبي موحد  وعمل حزبي موحد. ان قيادة الحزب، ومن خلفهم الكوادر والاعضاء الذين مازال لهم صلات تنظيمية مع الحزب او قيادته غارقين في جدالات محفلية، فالحزب ما بات عاجزا عن تعبئة المجتمع حول سياسات وبديل الشيوعي وخوض الصراع مع البرجوازية  فحسب، بل انه يهدر قواە يوميا جراء صراعات الاستقطابات والمحفلية القائمة داخل الحزب. و فيما يخص العوامل الذاتية، فاني اختصرها اليوم بجملة واحدة و هي ان المحفلية  قد حلت اليوم محل مشروع حزبي سياسي موحد، و ساقوم بتوضيح ذلك اكثر لاحقا.

من حسن الحظ ان يتواجد وفد الحزب الشيوعي العمالي الكردستاني بخط و توجه  سياسي ريادي و يلعب دورا جيد و ايجابي في هذا البلينيوم في مواجهة هذه الاوضاع ويقدم له الشكر كونه كان بمثابة بداية خطوة لابعاد الحزب من هذه الاوضاع، و هنا اود ان اثمن دور هذا الوفد. كما، و في الوقت نفسه، يبدو ان اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العمالي العراقي اصبحت تشعر اكثر لحساسية الوضع بحيث انها القت الضوء عليه، و بات كل عضو فيها يقوم بدور ما و حسب رؤيته بالاجابة على هذه الاوضاع و الاصرار على ضرورة الخروج منها. و هنا بامكاننا ان نقول بان هذه تعد بداية جيدة. و لكن، ومع كل هذا، فبرأيي ان ما حدث في البلينيوم، لم يكن سوى مستهل قيام بخطوة في هذا الطريق. وان لم يمارس الاصرار والتاكيد بقوة وبشكل مستمر علي هذا التوجه والتصوير الانتقادي، و اذا لم يتم تعميقه و تجذيره ليتحول في نهاية المطاف  الي نتائج عملية و سياسية نهائية، واذا ما اوهمنا انفسنا باننا قد تخطينا هذه المرحلة او تصورنا باننا قد قطعنا شوطا كبيرا في هذا المسار وعلينا ان لا نقلق، فسنرى بالتاكيد انفسنا سريعا في المربع الاول . فانا، وبعد اطلاعي من خلال وفد الحزب الكوردستاني، على تقرير عمل البلينيوم والاطلاع على الجدالات والابحاث والنتائج التي تم التوصل اليها، وكذلك  قراءة البيان الختامي للبلينيوم ال 32، اعتقد ان علينا ان نقيّم اوضاع الحزب بشكل اكثر جدية وصراحة، ان نواجه هذه الاوضاع بمنظور نقدي اعمق واوضح واكثر جرأة، وعلى هذا الاساس، وامتدادا  للتصورات التي جاءت في بحثي ( الحزب الى اين واي تصور للحزب؟ )، اصر الرفاق في وفد الحزب الكوردستاني في البلينيوم. وهنا ارى من المناسب ان اقیّم ابحاث ونتائج البلینوم من وجهة نظري، وان اضعها بين ايدي الرفاق املا فی ان تساعد بالتعجيل ببناء حزب سياسي موحد والخروج من الاوضاع الحالية.

                                              حزب ،اجتماعي ، سياسي

الاحزاب الاجتماعية هي دوما احزاب سياسية، و لكن ليس لزاما ان يكون  كل حزب سياسي حزبا  اجتماعيا ايضا. وما حدث في البلينيوم هو ان التقييمات لمكانة الحزب والاوضاع السياسية الحالية للحزب احيانا كانت تنحو للقول بان الحزب، كحزب سياسي واجتماعي لا يتمتع بدور ومكانة، و من هنا تم توجيه النقد. بلا شك ان الشيوعية، و لاجل ان تتمکن من القيام بثورة عمالية، تحتاج الى حزب سياسي اجتماعي. و لكن اذا ما اردت، وعلى هذا المقياس، ان تقيم اوضاع الحزب الحالية، ستضل طریقك، ويُقلل من قيمة هذا النقد، كون ان الهوة بين المكانة الحالية لحزبنا وبين حزب اجتماعي من الاتساع بحيث يصعب قياسها. فقد لا يكون الحزب الاجتماعي كبيرا جدا، و لكنه في كل الاحوال حزب  سياسي متجذر في داخل طبقة او جزء ما من المجتمع لدرجة يتعذر اجتثاثه منها او محوه من الساحة. حزب يمتلك رؤيه وتقالید و اسلوب عمله وتصوراته العامة و نظرته للعالم وتحالفاته و… ما الى ذلك من امور تحولت واصبحت تقلید مثبّت في المجتمع، وان جدالاته السياسية والطبقية وتفاعله مع المجتمع  واحداثه قد امست منظومة فكرية وعملية  لجزء من المجتمع  وبصمته واضحة حتى على صعيد الادب والفن والثقافة والفکر والممارسة و الخ. ان الحزب الشيوعي العراقي هو حزب قومي اصلاحي، وانه يبدو صغيرا اذا ما قارناه الان مع احزاب اخرى كثيرة، و لكنه في نهاية الامر حزبا اجتماعيا بامكانك رؤية مكانتە و تقاليده ومنظومته الفكرية و نظرته للعالم و…. في زوايا المجتمع، حتى تلك التي  لا وجود فيها  لتنظيماته.

  واذا ما رجعنا خطوة عن الاحزاب الاجتماعية، فتوجد هناك احزاب سياسية اخرى هي ليست احزابا اجتماعية بمعنى الكلمة. ولكنها احزاب سياسية تملك دورا ولها مكانة في المجتمع وفي الصراعات و الاحداث، بحيث بامكان هذه الاحزاب ان تجمع حولها القوى و ان  تدخل في سجالات و جدالات فكرية و سياسية واجتماعية مع احزاب وحركات اجتماعیة اخرى، لتصل في بعض الاحيان الی ان تصبح  هذه الاحزاب ، على الرغم من كونها غير اجتماعية،  ذات شهرة واسعة و تمتلك جماهير واسعة، ذات نفوذ واسع على اصعدة مختلفة،  تنظم حياتها الداخلية وعملها الموحد واختلافاتها الداخلية من خلال قوانين وضوابط و تقاليد حزب سياسي. و تظهر علی المستوی الاجتماعی و فی میدان السیاسة کجسد وخطاب وموقف وسیاسة وعمل واحد.  ولكن، ونظرا لکونها احزابا لا اجتماعية، فمن  الممكن، في ظروف و احداث ما  ان تصبح  احزابا  بارزة وفاعلة و ذات دور، و ان تتراجع في ظروف و اوضاع ولاسباب  متنوعة، و من الممكن ايضا ان تنحذف.  فعلى سبيل المثال،  في تسعينيات القرن المنصرم، ما كان  حزبنا حزبا اجتماعيا، ولم يكن اجتماعيا في اي وقت، و لكن في كوردستان في فترة التسعينيات و بعد 2003 في العراق كان حزبا سياسيا معروفا والى حد ما محبوبا وله جماهيره ودوره السياسي، امتلك تنظيمات واسعة، ومنظمات جماهيرية كبيرة متنوعة تعمل تحت قيادتە و نفوذه، كان يشكل “ازعاجا” لاحزاب وحركات اخرى و كان يردون على ما يطرحه هذا الحزب من سياسات، و يتعرضون له، و حصلت لهم مواجهات عديدة معه …و الخ .

ان تقييمي للحزب اليوم لا من معيار حزب اجتماعي، بل بمقياس حزب سياسي موحد مرتبط بتقاليد حزب سياسی  وله دور ملموس في المجتمع، هو دور ايل للاضمحلال بكل ما تحويه الكلمة من معان سياسية وفكرية وتنظيمية وعملية . ففي بحثي السابق، اشرت الى ذلك من منظور مراقب خارجى، و كذلك من منظور داخلي. باختصار، اود ان اقول بان منظوري لتقييم واقع حال الحزب اليوم ليس من زاویة انه لم یظهر کحزب اجتماعي، بل ما اود قوله انه حتی کحزب سياسي معارض قد فقد دوره الهامشي والآيل للتلاشي. ان انكار هذه الحقيقة وابداء اللامبالاة تجاهها هو بحد ذاته واقع مخيف وعقبة جدية امام التوقف لتغيير هذه الاوضاع  التي تسير بالحزب نحو الاضمحلال  والتشتت، وبمعنى اخر ان انسجام القيادة، او على الاقل جزء كبير منها و کوادرها، على هذا التقييم هو شرط مسبق للخروج من هذه الاوضاع.

              لماذا الاوضاع على هذا الشكل؟

ان الاسباب الذاتية لهذا الامر، وبغض النظر عن الظروف الموضوعية التي ليس لنا دور فيها و لا لنا ید فیها والتي عرقلت ولاتزال تقدمنا، تتمثل حاليا  وبشكل اساسي بسحب اليد من مشروع  بناء  وابراز حزب سياسي موحد، وعوضا عن ذلك، تم التوجه بمشاريع مختلفة من اجل العودة الى محفلية فترة  ماقبل التحزب. لقد تحولت المشاغل الى جدالات و صراعات و استقطابات محفلية. وبدلا عن ان تكون انشغالا بابراز وبناء حزب سياسي موحد علی صعید المجتمع وبمواجهة الحرکات البرجوازية، وبدلا من انشاء جهاز حزبي و سياسي لتنظيم و قيادة نضال الطبقة العاملة، بات التركيز منصبا علی تسخير ماتبقى من  الحزب الشيوعي العمالي العراقي لايجاد اقطاب ومحافل في داخله. وكما ذكرت في مقالي السابق ، بانه، و لحد اللحظة، تنبع السجالات والمشاريع المتعلقة باهم الابحاث والجدالات و الاختلافات او تستمد من هذه الاستقطابات و التمحفل لا من الحزب و المجتمع، الحزب والطبقة العاملة، الحزب والسلطة السياسية .. والخ.

ان المكانة الحالية للحزب هي اسوء مما كانت عليه في عام  1994، واشبه بما كانت عليه في مرحله مابعد البلينيوم   الاول الى الثاني، مع اختلاف  وهو ان  في تلك الفترة لم یبلغ فيه الدور السياسي و الاجتماعي الى مستوى اقرب الى  الصفر كما هو عليه الان، ولا  من حيث ان الشيوعية كانت من ناحیة المکانة السياسية والاجتماعية ومن الماتريال البشري ما يؤهلها لبناء حزب سياسي قوي. انذاك، وعندما كنا منغمسين ومنشغلين بالمحفلية، اتى منصور حكمت ليقول ان هذا ليس حزبا، بل  هو عبارة عن  ادامة الاساليب المحفلية في قالب حزبي، وانكم، باعتباركم قادة لهذا الحزب العراقي، ان لم تقرروا على انهاء العمل المحفلي وبناء حزب موحد، فاننا سنعتبر مکان  وجود حزب سياسي  شيوعي في العراق شاغرا و سنتدخل كحزب شيوعي عمالی ايراني بشكل مباشر في ميدان العمل السياسي في العراق. وتم تصویب قرار بهذا الصدد.*

  ان المحفلية و الاستقطاب  بارزین  بشكل كبير وواضحين وضوح الشمس اذا لم نرد اغماض اعیننا، فقيادة الحزب منقسمة الى قطبين  اساسيين  وساحبة معها الى هذا الاستقطاب كل ما تصل اليه یدها من تنظيمات.  واذا هناك رفاق  مترددیین او لم يحسموا امرهم  من الاصطفاف خلف احد هذين القطبين، تنتاب الاخير مشاعر  قلق و عدم ارتیاح. وفي الواقع فعلا وليس كادعاء، ان اي من هذين القطبين غير مهتم بالاجابة على   سؤال: لماذا الدور السياسي و الاجتماعي للحزب هو بهذه الشاكلة؟ وبدلا من ذلك،  تحاول كل  كتلة  جاهدة ان تقوي محفلها  وان تاتي بمشاريع   لتقوية نفوذها اكثر، و ان تحصل على المراكز و المناصب الحزبية المهمة بشكل اكبر. مثلا ان عقد المؤتمر لطرف هو سبيل ما لتحقيق هذا الغرض، و بالنسبة للطرف المقابل يكون رفض المؤتمر يكون سبيلأ لتحقيق الهدف ذاته. يسعى طرف ما الی الغرض ذاته عبر ابراز هذه النشرة  او الحط من قيمة  غيرها، وينطبق الامر كذلك على الجهة الاخرى. يغالي طرف بدور الحزب ويتحدث عن تقدمه وتطوره، فيما يرى الطرف الاخر العكس، يريد طرف ما ابراز هذا التنظيم الجماهيري او الجانبي الفلاني، فيما يعتقد الطرف الاخر ابراز غيره، اذ يستند کل طرف بلا شك الى مجموعة من الحقائق يستخدمها هذا الطرف ضد ذاك. في حين ان كل هذه الحقائق هي ليست اصل المسألة او اصل الاختلافات. صحيح انها جميعا نقاط وحقائق  وادلة، لكن يتم ابرازها في الصراعات المحفلية  لا من اجل بناء حزب سياسي، وليس الغاية من اي من هذه الانتقادات التي يطلقونها ضد بعضهما البعض تقوية موقع الشيوعية والحزب داخل  المجتمع، وان الدليل الواضح على ذلك هو عدم استطاعة كل طرف احراز تقدم اكبر في تلك المواقع والميادين التي بيديه مقارنة بتلك التي بيد الطرف المقابل. ولم يستطع ان يجسد نموذجا للعمل الشيوعي في الميدان الذي بيده. فمن جهة، في الوقت الذي يقف الحزب امام المجتمع دون سياسة، دون تكتيك، دون ممارسة، دون تنظيمات وهيكل، دون مال وامكانات، دون كلام واعلام، صامت دون خطاب، لايشغل هذا الامر بال اي شخص او كتلة او يشكل هما لها، ولاتحدث اي ازمة جراء ذلك، بيد ان دعوة 3 كوادر الى البلينوم تهيمن على اجواء جلسة المكتب السياسي ويصبح مكان سجالات حادة، علما ان موضوعة الدعوة ليس لها دور يذكر في مواجهة المشاكل التي اشرنا اليها. هل يستوجب الامر ان اتي بنماذج اكثر؟!

                                                        التنظير للمحفلية

كل ظاهرة سياسية لابد ان يتم التنظير لها، والمحفلية يتم التنظير لها بحجج من مثل وجود الاختلافات الفكرية والسياسية و…الخ. في الحقيقة، لا ارى اية اهمية لهذا التنظير الذي هو تبرير لاوضاع الحزب هذه ولا اقبل بهذا الاستقطاب. ففي البداية، لابد ان اؤكد على مقولة منصور حكمت التي هي: “ان عدم وجود الاختلافات السياسية داخل الاحزاب  السياسية هو ما يبعث على التساؤل لا وجودها”. فالناس هم ليسوا نسخا متطابقة عن بعضهم البعض، حتى يفكروا بنفس الشكل و الطريقة. فبلا شك، يظهر تباين في التقييمات والاراء امام اية مسألة او حدث وظرف  وتظهر الجدالات بين الاراء المختلفة. وبعد ان تأخذ هذه الجدالات كفايتها من النقاش، يقوم الحزب في الاخير بحسم  قراره  تجاهها. و كل الحزب يدفع بقراراته  بهذا الشكل. فالاحزاب السياسية لا تستطيع تفادي وجود اختلافات سياسية وفكرية داخلها، وهذا الامر اصلا غير ممكن ، فعلى الاحزاب هضم خلافاتها و توجيهها الى الوجهة الصحيحة  لتستثمر منها الفائدة. فاذا ما  كان وجود الاختلافات سببا يدعو الى عدم الانسجام والتكتل وفيما بعد الى الانفصال ، فذلك سيؤدي الى عالم خال من الاحزاب، وان تفند نظرية التحزب وتفقد معناها .

لا يمكن ان يتم تاسيس حزب شيوعي لاجل  اتخاذ موقف من وضع سياسي معين، او منظمة جماهيرية او جانبیة، او من اجل مشروع حزبي معين او حول بلاتفورم للاجابة على معضلات مجتمع في مرحلة من المراحل، او للاجابة على وضع سياسي مؤقت و… الخ، وحالما  يظهر الخلاف على كيفية معالجتها يتفرق هذا الحزب الى اجزاء. ان اساس حزبنا هو في وحدتنا حول التصورات المعینة للشيوعية، والى النظرة الشاملة للعالم، والى نقد محدد للراسمالية والى تقاليد حزبية و سياسية للتحزب، و ..و…الخ. ونحن، وعلى هذه الاسس المهمة،  وبعد سنوات عدة من العمل والتقارب تحت قيادة معتبرة وذا نفوذ توحدنا، قررنا ان نؤسس حزبا موحدا، وافترضنا بان الجميع كان متفقا على ان الحزب هو ليس فرقة مؤدلجة لمجموعة من البشر بحيث على كل فرد فيه ان يفكر ويقرر بشكل متماثل، بل هو جهاز سياسي واجتماعي لجمع وتنظيم وقيادة طبقة وتوحيد عمل طيف واسع من فعاليها السياسيين للعمل في اطر اهداف مشتركة، و على تلك  الاسس الاساسية، بالرغم من  وجود اختلافات في التصورات حول مسائل صغيرة كانت ام كبيرة، بصف متحد يعمل في ظل تقاليد وقوانين  ومقررات حزب سياسي، و ان نخرج ببراكتيك واحد و مشترك. حزب، على قول كورش مدرسي، متعدد الاراء وذا سياسة وممارسة واحدة.

عادة ما تظهر الاختلافات والتصورات المختلفة في داخل الاحزاب السياسية بشكل يومي. فاختلاف التصورات لا يعد من المحرمات، بل ان المحرم ذاته هو ان تمنعها وان  تضيق عليها. و في الاحزاب السياسية ايضا يعد  وجود الصفوف المختلفة والتكتلات والعمل  حسب التصورات الخاصة و بخلاف المقررات الحزبية عملا غير اصولي ويتنافى مع التحزب. و لهذا اؤكد على تعبیر بخلاف المقررات الحزبية، لانه في اي حزب يمكن القيام  بتشكيل كتلة بشكل اصولي، و لكن التكتل القائم  اليوم لاتنطبق عليه مواصفات عمل الكتلة الحزبية، و ساتناول لاحقا هذه المسالة، لاني الان اريد ان انتهي من موضوع التنظير للمحفلية.

  ان التكتل الحالي الموجود داخل الحزب هو ان  تقوم كل مجموعة بالعمل وفق ما تفكر به، فلم يعد التفكير الحزبي الموحد قائما،  بحجة وجود  الاختلافات و هذا امر غير واقعي. فبدءا، وعلى ضوء تقاليد التحزب الشيوعي، لايُسمح لاي فرد او افراد ان يقرروا و يعملوا بانفسهم  بحجة وجود اختلافات ، فاي اصطفاف او تكتل او تنظيم مغاير في صفوف الحزب و هيئاتة الحزبية يعد تكتلا و يتناقض بشدة مع التحزب الشيوعي الا في حالة تشكيل الكتلة الحزبية المعلنة، وهذه تتم وفق اجراءات و اصول معينة مقرة حزبيا. و لكن و بغض النظر عن هذا و ذاك ، انا اود التاكيد علئ ان هذا التكتل القائم اليوم لا ينطلق من وجود اختلافات سياسية ولم يتشكل على اساس اختلافات سياسية، لان بامكاننا ان نبين العديد من الاختلافات العميقة الموجودة داخل اي واحدة من هذه الكتل  نفسها،  و التي قد لا تقل عن الخلافات التي لها مع الكتلة المقابلة لها.  كيف يمكن ان يكون لاستقطاب مثل هذا اساس سياسي؟ فعلى سبيل المثال، يقال ان هناك اختلاف في التصورات مع الطرف الاخر يتمحور حول دور و مكانة التنظيمات الجماهيرية و الجانبیة، او اختلافات حول اولوياتنا في العمل داخل الطبقة العاملة او بلاتفورم الحزب  للمجتمع او الوضع السياسي الحالي وبناء الحزب و.. الخ من الاختلافات، ولكن، و في الوقت ذاته، انه، وفي داخل كل كتلة،  هناك خلافات حول المسائل ذاتها و مسائل اخرى اكثر جدية منها لكنها لا تشكل خلافا و لاتقف حائلا دون استمرار العمل المشترك  المحفلي لذات الكتلة (!). فمثلا جزء من الخلافات يظهر  في ان هذه الكتلة  تختلف مع الكتلة الاخرى حول تقييم الاوضاع السياسية الحالية و مهام الحزب، و يظهر ايضا انهم في داخل كتلتهم متحدون حول هذا الاختلاف، في حين ان هناك اختلافات كثيرة فيما بينهم بدءا من التكتيك وحتی  الاستراتجية. و في الطرف الاخر، تجد ان قسم منهم يعلن بصراحة عدم قناعته ببرنامج الحزب، باعتباره اهم وثيقة لهذا الحزب و هذه الحركة، حتى ان البعض قد تخطى بين ليلة وضحاها منصور حكمت، فيما يصر اخرين من نفس الجهة بشكل قوي على تمسكهم بالشيوعية العمالية.  و يكفي  هذان المثالان لتوضيح ما اروم اليه.  و سؤال هو كيف، وعلى اي اساس نظري شيوعي، يكون الاختلاف في  الاجابة على مسالة المنظمات الجماهيرية اهم و اعمق من الاختلاف على برنامج الحزب؟  كيف يمكن لرفاق ان يتحدوا، وان تكون لهم رؤية مشتركة والبراكتيك ذاته مع رفاق اخرين يرفضون برنامج الحزب، و لكنهم لا يستطيعون العمل بشكل مشترك مع رفاق اخرين مستعدين ان يقدموا التضحيات في سبيل الدفاع عن هذا البرنامج؟ و لكن يختلفون على تقييم هذه المنظمة  الجانبية او ذلك  البلاتفورم؟ وبالشكل ذاته يوجه السؤال الى الجانب الاخر وهو اذا ماكان الاختلاف السياسي الرئيسي لهذه التكتل، فعلى اي اساس تتحدون مع رفاق تختلفوا معهم من التكتيك وحتى الاستراتيجية، ولكنكم لا تستطيعون الاتحاد مع رفاق يختلفون معكم حول الاوضاع السياسية او الادارية للحزب او حول عقد المؤتمر الحزبي  من عدم عقده او حول تقييم هذه النشرة الجانبية  او تلك و… الخ ؟ . على اي اساس  سياسي  تعتمد كل من هذه الكتل على التغافل عن الخلافات الموجودة في داخلها، ويظهروا ككتلة مقابل كتلة اخرى، ويقفوا، وبشكل متحد، ازاء  ترشيح سكرتير اللجنة المركزية او شكل وتركيبة  المكتب السياسي ومن ثم المناصب  الاخرى، و لكن وعلى نفس الدرجة من الخلافات او اقل منها، لا يستطيعوا القيام بعمل حزبي  بشكل مشترك مع الكتلة الاخرى؟

 بلا شك لايمكننا انكار حقيقة وجود اختلافات فكرية وسياسية واختلافات حول اساليب العمل و…الخ داخل الحشعع.  انني وبصراحة لايمكنني تصور وجود حزب ما  بدون اختلافات داخلية، باستثناء تلك الفرق المؤدلجة  التي  يضع اعضاءها الاقفال على عقولهم و لايتحركون الا باشارة من المرشد الامر الناهي. و لكن تاكيدي هنا ياتي من ان هذا الاستقطاب الحالي في داخل الحزب لم يتشكل على اساس اختلاف سياسي، و قد ضربت مثلا على ذلك، فما هو سبب هذا الاستقطاب اذا؟  سوف لن اتي بالجواب من عندي  ولا من افكاري ، فقد اجاب اشخاص عديدون على هذا السؤال من قبل، و لكن للاسف يتم التغافل عنه و كانه لم يقال ، فكلما ضغط علينا هذا النقد، يبعدنا خطوة عن هذه الاسباب، و عندما لا يبقى هذا الضغط ، و عندما تواجهنا صعوبات واخفاقات في تثبيت ارائنا وقصدنا داخل الحزب، عندها تظهر تقاليد اليسار التقليدي و غير الاجتماعية لتسحبنا اليها والى ما كنا عليه سابقا، وتصبح التقاليد المحفلية هي الطريق لتحقيق الغايات والتصورات الذاتية. فالتقليد المحفلي يكون سبيلا للدفع بالغايات والنظرات الذاتية ومقاومة تلك السياسات والضوابط الحزبية التي تقف حائلا امام الاراء الذاتیة او المحفلية. وعليه، فان الجواب على: ماهي الاسباب؟ هو ان التحزب الشيوعي هو مرحلة اعلى من التنظيم ، فالتصورات و اساليب العمل و التقاليد، القيم و الياتها تختلف  كثيرا عن محفلية ماقبل التحزب  التي غرق بها اليسار التقليدي لسنوات عدة. ان ما نلاحظه الان داخل الحزب هو محفلية تقاوم التقاليد الحزبية، تقاليد ممانعة بحيث ان مجموعه تقوم على اساس محفلي و ايديولوجي تقدس هذه العلاقة بينهما و توحد افرادها للعمل بشكل مشترك  على ضوء ما يروه هم  مناسبا لهم، وقد لا يكون لهذا ادنى صلة بالثورة العمالية. تعتمد المحفلية في عملها علي تقارب امزجة الاعضاء ودرجة تقاربهم من بعض و الثقة و النفوذ غير المدون وغير المعرّف، ان الالتحاق بالمحفل مرهون بالذوبان في ذلك. لهذا السبب، فان  لتوسع حجم المحفل حدود يجعل عبوره اشبه بالمستحيل. في حين ان للحزب السياسي موازين وبرنامج وسياسة مكتوبة ومدونة و مصادق عليها ويعمل على ضوءها و يدفع بها. وعلى الاساس ذاته، يقوم بتنظيم الافراد في المجتمع في هيئة حزبية، افراد ليس بالضرورة ان يعرفوا بعضا، ومن الممكن ان لا تتوافق امزجتهم وميولهم وتصرفاتهم،  لدرجة  الاختلاف التام. فالقيم التي اشرت اليها في كلا الحالتين  مختلفتين و متناقضتين، فالاولى من الصعوبة لها ان  تكبر و تتسع اكثر من  الحدود المرسومة لها، اما الثانية، فبامكانها ان تربط وترص ابناء الطبقة والحركة الواحدة من ادنى الى اقصى حدود العالم. فالاولى، لاتستمد اي الهام سياسي من الاعداد للثورة العمالية، متعطشو كثيرا للبقاء للابد في هامش المجتمع وصراعاته، وفي اقصى الاحوال، يصيغ عامل ضغط لنفسه وشخصياته، ويجعله مادة لصيانة الصف. اما الثانية، اي التحزب الشيوعي، يستمد الهامه مباشرة من اعداد المستلزمات الذاتيه  للثورة العمالية. فاذا كان لاي قيم او الزامات او صلات او اعتبارات لها مكان في هذا، فهو امر مهم، واذا لم يكن له مكان، فلايكون ذا قيمة. ان الثورة العمالية تستلزم التحزب الشيوعي والتنظيم الواسع للطبقة العاملة، وان هذه الصفوف يمكن تنظيمها حول تقاليد، ضوابط، قوانين سياسية واجتماعية، وان اطار الصلات والثقة والواجبات المحفلية والايديولوجية والاخلاقية والمزاجية والسلائقية لهذا الغرض هو امر ضيق وعديم الفائدة ومعيق ومكبل. فاصل الموضوع ليس حسن او سوء نية الافراد، بل ان المسالة هي اننا اذا اردنا التحزب، فعلينا ان نتخلص من كل اشكال  تقاليد و قيم المحفلية و ان نقوم بنقدها و ان نحرر انفسنا منها. فقيم المحفلية تثقل على ذهن البشر، قيم محفلية  تقف خلفها علاقات ومصالح محفلية ولا يمكن القضاء عليها وضربها وتفنيد محتواها الا عندما تحل محلها تقاليد وقيم حزبية. ان المحفلية هي تقليد، ان لم يُجتثْ، يعود اليها الافراد دوما عندما يواجهوا معوقات او محدوديات في تثبيت اهدافهم داخل حزب سياسي، ولمواجهة هذه المعوقات والمحدوديات التي تقف حائلا امام تحقيق غاياتهم، يلجأوا الى المحفلية السابقة التي عاشوا بها وعملوا بها وقيمها التي لازالت باقية ولم تتحطم. ولتوضيح ذلك ساورد  المثال التالي: ان (س) من الاشخاص يريد الحصول على منصب، كرئيس تحرير صحيفة او يكون عضوا في اللجنة المركزية او المكتب السياسي او مسؤولا عن احدى المشاريع الحزبية او … غير ذلك، فبدلا من ان يكلف نفسه قليلا ليثبت قدرتە وامكانيته التي تؤهله لشغل هذا المنصب من خلال سلسلة من الاعمال و الفعاليات الحزبية، يعتقد ان من الاسهل له الوصول اليه من خلال اقامة وانشاء علاقات محفلية  تشوبها منفعة تبادلية. و بالمقابل من هذا الامر،  يتم الرد على هذه المحفلية بنفس السنن، وحينها ستغطي المحفلية كل الحزب.  في حين انه، وفي الاحزاب السياسية، هناك طرق اصولية وحزبية يمكن اللجوء لها لمواجهة المحدوديات والعوائق لتثبيت كل شخص ارائه. فبالتحزب فقط يمكن مواجهة المحفلية، لا بالمحفلية المقابلة. و هي قصة جزء من تاريخ حياتنا في حركة اليسار العراقي و التي هي مستمرة لحد الان. في الاحزاب السياسية، بامكان الافراد التعبيرعن اراءهم، ومهما كانت، بشكل حر و ان يحاولوا جعلها  رأي الاكثرية وان يتم المصادقة عليها، من خلال اليات حزبية. و لكن لا يسمح باي مستوى كان  لان يتم تسيير العمل الحزبي  وفقا لاراء الاشخاص، فبامكان الكل هنا  ابداء رايه و ان يحاول اثباته ، لكن وفي نفس الوقت  فان الكل ملزم بالعمل بسياسات الحزب و مقرراته.

                                                         الحزب السياسي و الاختلاف السياسي

     لايمكن تلافي حدوث الاختلاف السياسي داخل الاحزاب فهو امر لامفر منه، و لايمكن ان يعد بحد ذاته امرا  سلبيا.  فمن الممكن، بل ويجب ان تكون نتائجه ايجابية. اذ يستحيل ان يفكر الافراد بشكل واحد امام الاوضاع والاحداث  والمسائل والمعضلات والمشاكل. فكل واحد من هؤلاء له تقييماته وتحليلاته واجوبتة المختلفة دوما. من الممكن لهذا الاختلاف ان يصبح اساسا للتقوية و الاثراء الفكري و السياسي والعملي للحزب و هو على الدوا م يفلتر ويغربل العمل الحزبي و السياسي  وينضجه. ان فن السياسة يكمن في كيفية ادارة هذه الخلافات و دفعها في الاتجاه الصحيح من اجل انضاج الحزب اكثر. وبهذا الخصوص، وعلى اكثر الاصعدة عمومية والمستويات، نواجه نوعين من اشكال التعامل؛ فمن منظور اليسار التقليدي، حيث لا يكون للتحزب السياسي و الاجتماعي اهمية تذكر، اذا ما كانت هناك 9 مسائل متفق عليها من 10 و هناك خلاف على مسالة واحدة، يتم هنا نسيان المسائل ال 9 المتفق عليها و يتم ربط مصيرالتنظيم بنقطة الخلاف الوحيدة.  ففي اليسار التقليدي، عادة ما يصبح الخلاف شعارا و نوع من الغرور و التفاخر، وتصبح عبارة “انا اختلف” محل تفاخر لمرددها و يتم ابراز الاختلافات كدليل على الثبات و الاصرار الاكثر طبقية و راديكالية، والعكس يدل علی مساومة و انتهازية. اما بالنسبة لحزب سياسي، فالامر بالعكس من ذلك، حيث يتم التاكيد على النقاط  المشتركة التي بوسعها توحيد وانسجام الصف الشيوعي بشكل اكبر، بعدها يتم تداول نقاط  الخلاف و البحث بشكل سياسي و واعي وهادف لتبلغ نتيجة مثمرة تخدم و تقوي التحزب الشيوعي . في احيان عدة، يعد  الانشقاق بالنسبة لليسار التقليدي  مفخرة ودليل على الاصرار و الثبات و رفض للمساومة، اما بالنسبة للحزب السياسي، فالانشقاق هو امر مقلق و يبعث على مراجعة النفس وربما یٶدى الی التضعیف، ولايلجا اليها الا اذا ما اصبح امر لا يمكن تلافيه. في الحزب السياسي، تاتي الاختلافات على مستويات عدة، و لكل مستوى هناك شكل و طريقة للتعامل معه و ادارته. و للتوضيح اكثر، اردت هنا ان اتحدث عن ثلاثه مستويات، و لكل واحدة منها اضع و من وجهه نظري سبل ادارتها و التعامل معها بشكل مناسب. اني لا اقصد ان في العالم الواقعي وفي الاحزاب السياسية، فان الاختلافات ومسار تعمق او تخفيف وتيرة هذه الخلافات، طبقا لقانون، تظهر بهذه الاشكال فقط وتمر بهذا المسار. ان ما اتحدث عنه ليس قانونا، بل تجريد او بعض من الامثلة من مستويات الخلافات التي اريد منها ايضاح طريقة تعاملي معها. و الا فليس من الممكن، عبر النظرية والتحليل، ان يتنبأ بشكل دقيق ومقولب بشكل محدد لکیفیة ظهور الاختلافات وتقدمها وان يوضع المسار والحلول المسبقه لها، وفي توضيحي هذا اقدم امثلة  لثلاث مستويات من الخلافات و كيفية التعامل معها بشكل اصولي:

الاولى/  الاختلاف بشكل عام : و اقصد به ان وجود اراء و تصورات  مختلفة في الحزب السياسي هو امر لا يمكن تلافيه. و ما اريد قوله هو انه، وفي مسار العمل الحزبي و في مسار الرد على المسائل التي  تطرأ،  فان احتمال حدوث خلاف داخل قيادة وكوادر وهيئات الحزب هو امرا واردا. و من غير الضروري هنا ان يحصل استقطاب ما. فمن الممكن اليوم  ل ( س) من الرفاق ان يقع في  اختلاف مع الاغلبية، و يحدث ذلك غدا لـ (ص). من المحتمل ان يجد (س ) من يوافقه في الاختلاف اناس ما، و غدا يحصل على تاييد من اخرين، ومن الممكن ان يكون (س) متوافق مع الاغلبية غدا فى قضیة، و اشخاص اخرين لهم راي يختلف مع الاغلبية والخط الرسمي للحزب. ان على الحزب دائما ان يكون له سعة صدر ويوفر المجال الكافي لطرح الاراء والتصورات المختلفة، وان يخلق الاجواء لطرح الاراء المختلفة بشكل حر والرد عليها باعتبارها مسالة طبيعية وعادية وحتى ايجابية. بالنسبة للانسان الحزبي الذي له اختلاف مع الخط الرسمي والمقررات الحزبية، عليه ان يضع بنظر اعتباره ان  الغاية من  هذه الاختلافات  هي لاثراء و تقوية  الحزب من الناحية السياسية. و ان يحاول جعل التصورات التي يحملها تصورات الحزب، غايتة هي ان يقنع الحزب بتصوراته التي يعتقدها صحيحة، و متى ما كانت المصلحة الحزبية هي القاعدة وهي الاصل، فعندها يكون الشكل الحزبي والملائم والمفيد هو ان يقوم بطرح رؤيته في الهيئة الحزبية التي يعمل بها وان يبذل ما بوسعه لان يقنع الهيئة  برؤيته، لا ان يسعى  ببث الخلاف في كل زاوية من زوايا الحزب او مع رفاق  كانوا سابقا او حاليا و لاي سبب من الاسباب  قريبين منه، او في ميدان العمل الحزبي حيث يكون له فيها تاثير او نفوذ ويقوم بالدفع بسياسة تتفق مع رؤيته و رؤية مؤيديه غير مصادق عليها حزبيا وتختلف او تتعارض مع سياسات الحزب. لان ذلك يتعارض مع هدفە، ای تقویة الحزب،  و بالعکس سيؤدي الى خلق حالة لا انسجام و يلحق الضرر بالعمل الحزبي المشترك. لذا ان تمكن ، و بعد اتاحة المجال امام اجراء نقاشات و جدالات كافية في داخل الهيئة الحزبية، من اقناعها  بشكل جمعي، و ان لم يتمكن من ذلك  حينها  يعطى له  الحق و لمؤيديه في الهيئة الحزبية ان يكون لهم تصور خاص  وان يقوموا بايصاله من خلال اليات حزبية الى الهيئة الحزبية الاعلى. وهناك، وعلى ضوء طلب اصحاب هذا التصور،  يتم تعميمها داخليا على مستوى الحزب، و في حالة خلو محتوى هذا التصور من اي تهديد امني على سلامة الحزب يتم تعميمها ونشرها حتی بشكل علني. ان واجب الحزب هنا هو توفير الوسائل الاصولية لاتاحة الفرصة للرفاق ممن يملكون تصورات مخالفة للتبليغ لتصوراتهم سواء بشكل مكتوب او اقامة سيمنارات و…الخ.  وبالنتيجة، وفي حالة مصادقة  المراجع الحزبية ذات الصلاحية عليها، حينها تصبح من المقررات. وعلى كل الحزب او على  المستوى الذي يرتبط به البحث ان يلتزم بها، اما في حالة عدم حصول المصادقة وعدم اقتناع اصحاب التوجه المخالف بعدم صحة طرحهم، فيحق لهم ان يحتفظوا به  كتصور خاص بهم،  ولا يستطيع احد اجبارهم على التراجع عنه. و لكن، في الوقت نفسه، لا يحق لهم (اصحاب الرأي المخالف) و مؤيديهم، و باي شكل او تحت ايه ذريعة،  ان يؤطروا عملهم الحزبي بهذه التصورات او ان يضعوها في جدول  مهامهم الحزبية. و في الوقت نفسه،  فان هذا يعد تصرفا مخالف للتحزب بشكل كامل و غير اصولي ان يقوم اي شخص عضو في هيئة حزبية، وبالاخص في الهيئات القيادية، ان يبرز نفسه بانه مخالف للخط الرسمي للهيئة التي يعمل فيها، و من دون ان يمرر خلافاته ويطرحها للجدل و النقاش داخل هيئته  و الحصول على نتيجة منها ذاتها .

وبهذا الخصوص، وقبل سنوات عدة، كتبت رسالة الى رفيق كان له خلافات مع الحزب، كنت حينها كما  اليوم لا اشغل اي منصب حزبي، و لكن فقط كتبت له بشكل شخصي، و ابديت له رأيي الشخصي حول كيفية التعامل مع هذه المسالة، و اعتقد ان عرض بعض مما جاء فيها سيساعد في توضيح الموضوع . فالرسالة كانت في 2/6/2013 وفي قسم منها جاء ” اني افهم الامر على الشكل التالي: هناك حكمة حزبية مهمة للحزب والعمل الحزبي عندما يقال بوجوب التعامل مع مساله ان  اي شخص له اختلاف او نقد لسياسة الحزب او العمل الحزبي،  على انه امر مفيد و ايجابي من اجل انضاج سياسة الحزب وتعزيزها وتساهم في رسم خط سياسي صحيح للحزب. وعليه، وقبل كل شيء، يجب ان توضع هذه الاختلافات بين يدي الحزب، وان يتم العمل على ايصالها الى نتائج  مفيدة.  واما ان يقررها ويصادق عليها او ان يقنع صاحبها بان بحثه غير ملائم او صائب، وان لم يتم التوصل لاي من هذين الحلين، عندها يجب ان نفكر بها من منظور او بشكل اخر. ان هذا هو استنتاج صائب من العمل الجماعي كحزب. ان افكر بهذه الطريقة التي اعتبر فيها ان الحزب هو المهم  والاساسی وليست ابحاثي، و لهذا ابذل قصارى جهدي لان تخدم ابحاثي  الحزب، كذلك الحال هي تصوراتي تجاه ابحاثك وابحاث الاخرين. لذلك ابذل مابوسعي من جهد لان اوصل ابحاثي داخل الحزب الى نتائج مثمرة، ان اقنع بها رفاقي، وبهذا اكون اسديت خدمة للحزب. فاذا ناخذ منصور حكمت نموذجا نضعه امام اعيننا، فمتى ما كان لديه بحث مهم، كان يحاول بكل الوسائل ان يقنع بها كل الحزب، و كان هدفه من ذلك ان يخلق سياسة صحيحة للحزب.”

  ثانيا/ تبلور خط سياسي مختلف:  المقصود  من هذا المستوى من الاختلافات  هو  الخروج من وضع حالات فردية بالشكل الذي تظهر كل مرة حول موضوع ما في حياة الحزب الروتينية، في كل مرة يبدي شخص او اشخاص ما اختلافاتهم حول مسالة او عدة مسائل. انه مستوى اعلى من الخلافات، مثلا ان يشعر شخص او اشخاص بانهم يختلفون مع الخط السياسي  – التكتيكي او استراتيجية او مع  اساليب العمل او السياسة التنظمية او مع اسلوب التعامل مع المنظمات الجماهيرية او الجانبية او قسما من هذه، ويطرحون بدائلهم حولها. ان الاختلاف مع هذا النوع من المسائل، كما اسلفت سابقا، وعلى هذا المستوى، يعني  ان يكون هناك جدل وتحليل وبديل مختلف هو بالتأكيد يختلف عن الجدل و النقاشات التي تحدث حول ايه مساله في الاجتماعات  الحزبيه التي تبدى فيها وجهات نظر مختلفة. وهناك اختلافات تطرح في الهيئات الحزبية، وبالرغم من اخذها وقتا  كافيا للنقاش و الجدل، الا انها تستعصي على الحل  لتتبلور و بالتدريج لتصبح في نمط ما على شكل  خط سياسي مختلف وخطا مخالفا للخط الرسمي للحزب في اطار الاسس الماركسية و العامة للحزب، وتظهر كخط مختلف. لدرجة  يصبح من المتعذر على اصحاب هذا الخط العمل ضمن السياسة المقررة للحزب. عندها يصبح تشكيل الكتله الحزبية  داخل الحزب هو الحل. و حتى في هذا المستوى من الخلاف، ووفقا للاصول و الموازين الحزبية، لايسمح لاي شخص و بدواعي وجود اختلافات من هذا القبيل  او وجود خط سياسي مختلف، ان يسير العمل الحزبي وفق ما يراه هو، او بخلاف السياسة الرسمية، بل عليه اولا ان يضع اختلافاته امام الحزب و ان يوضح انتقاداته للخط الرسمي للحزب وان يطرح بدائله ومع كل هذا عليه بتقديم طلب رسمي لتاسيس كتلة حزبية. و على الحزب، وفقا لضوابط  عمل الكتلة الحزبية المقررة، ان يمنح الموافقه علي تشكيلها. حينها يحق للكتلة الحزبية، و حسب ضوابط  عمل الكتل الحزبية  المتبعة و المقرر عليها حزبيا ان تقوم  بطرح خلافاتها مع الخط الرسمي للحزب و طرح بدائلها في داخل الحزب، و ان تسعى للحصول علي التاييد في اوساط الحزب و ان تجمع المؤيدين حولها ومن خلال اليات يمكن من خلالها ان تجعل من بدائلها خطا رسميا للحزب.  وللكتله الحزبية ايضا الحق في ان ترشح اي من افرادها لاي من المناصب و الهيئات الحزبية و ان تسعى لسيادة خطها وممارستها في الحزب ، و هنا لابد من ان اؤكد على بعض من النقاط:

   1ـ  ان تشكيل الكتلة الحزبية لا يعني اهمال الضوابط الحزبية، بل ان شرطها الاول  لتأسيس الكتلة هو ان تتعهد خطيا بالالتزام الكلي بجميع الضوابط الحزبية. ففي الواقع انه في حاله وجود خلافات بلغت مستوى تشكيل كتلة، فان الالتزام التام بالموازين الحزبية يصبح مهما  اكثر من اي وقت، لانه في اجواء تسودها التوافق الفكري تكون مسالة الالتزام بالضوابط الحزبية ايسر و اكثر سلاسة حيث تنتفي اسباب خرق تلك الضوابط. اما في حالة وجود خلافات، فان  التاكيد على مراعاة  الالتزام بالضوابط هو الكفيل بضمان سير العمل الحزبي والحفاظ على وحدة الحزب.

  2 ـ و اثناء قيام الكتله بممارسة عملها ككتله بالاشكال التي وضحتها اعلاه، فان  للخط الرسمي للحزب حقه في ان يبرز ككتلة امام الكتلة الحزبية المتشكلة، و ان يرد على انتقاداتها وان ينتقد بدائلها وان يستجمع القوى  حول الخط الرسمي، و للخط الرسمي ايضا الحق في ترشيح اعضاءه على مستوى الهيئات الحزبية، وان يحاول ومن خلال الاليات الحزبية ان يضع  الحزب و هيئاته  تحت سيطرته. و بعد فتره من العمل الكتلوي، وعلى ضوء مستوى الاختلافات فان المرجع الحزبي المقرر، كالمؤتمر الحزبي العام مثلا، سيقوم بتقرير مصير هذا الامر.

  ِثالثا/ انفصال المسارات : وهي عندما تصل الخلافات الي مستوى يصبح الانفصال امرا موضوعيا. وهنا يصبح عمل الكتلة عاجزا عن قنونة الخلافات وايصالها لنتائج فحسب،  بل ان الخلافات والصراعات لهي من الحد التي تتجاوز امر البقاء في حزب سياسي واحد. فمن الجائز ان يصل الصراع والاختلاف ليشمل المسائل الصغيرة و الكبيرة في الحزب، من برنامج و سياسات و استراتيجية و اساليب عمل وتحزب ونقد النظام الراسمالي و تصورات مختلفة حول الصراع الطبقي و… و ماشابه ذلك ، او من الممكن ان تصل  الخلافات الى مستوى تمثيل الحركة والتقاليد  المختلفة و المتضادة  التي في المجتمع الى داخل الحزب. يمكن ان يصل مستوى كهذا من الخلافات داخل الاحزاب السياسية  واسبابها مختلفة، منها اسباب تاريخية او  نتيجه خلل ولادي يعود الى فتره تاسيس الحزب او من الممكن ان يكون بسبب العلاقة الواسعة و الحية  بين الحزب السياسي  والمجتمع، فمثلما يمكن من خلال هذه العلاقة ان تنتقل التصورات والافاق والسياسات والتقاليد الحزبية الى المجتمع، كذلك  تنتقل تصورات وافاق وتقاليد المجتمع الى الحزب، وقد يكون لهذا وزنا كبيرا في اوضاع معينة وخصوصا اثناء التحولات السياسية الكبيرة.

في مستوئ ما من الاختلافات، يصبح الانفصال امرا لا مفر منه. ولكن، وفي هذه الحالة ايضا، و بناءا على التقاليد الشيوعية، لابد من ان تكون هذه الخلافات شفافة وواضحة، لا في داخل الحزب فحسب، بل وعلى صعيد المجتمع ايضا، لكي يتسنى للكل الاطلاع على هذه الخلافات والتعرف على اسباب انفصال المسارات. وان يحدد المرء اختياره السياسي بشكل واعي  لاي من هذه الطرق. على العكس من هذا يتم تحديد هذا الاختيار بشكل يستند الى الحسابات المحفلية، بشكل لاواع و خاطيء. فالشيوعية ليست بحاجه الى اختيارات لا واعية تؤثر سلبا على عملها. انها تحتاج الى قوى واعية تملك قناعة او رؤية واضحة. ان تجربة منصور حكمت بهذا الصدد مازالت دليلا جدير بالاستفاده منه. فهو، وبعد محاولات ونضال طويل من اجل تبيان الاختلافات، و بعد كتابة العديد من الابحاث وعقد العديد من السيمينارات والكونفرانسات والبلينيومات والمؤتمرات الحزبية والاجتماعات المختلفة من اجل توضيح اراءه، وفي خضم تحولات عالمية كبرى، مضى نحو فصل خطه وطريقه. وفوق كل ذلك، في كل تلك الاجواء، لم يكن مستعدا على تكريس دقائق من وقته للمماحكات السرية او المحفلية او للتاثير على الاشخاص من خلال اعمال الهمس المحفلي او الاستفادة من صلاته او علاقاته الشخصية او العاطفية او غيرها و جرهم الى خطه. فهو، و بدلا من ان يدعوا الاخرين من صفوف الحزب  للالتحاق بخطه السياسي، اعلن و اكد على  ان الاعضاء غير ملزمين باتخاذ قرار سريع ودون تروي وخصوصا اولئك الذين يفكرون بالانضمام الى خط الشيوعية العمالية، ومن الافضل لهم التأني و التفكير بالامر بشكل  معمق وان يقوموا بتقييم ووزن هذه الاختلافات، ومن ثم اختيار هذا الخط  اعتمادا على قناعتهم الكاملة بالشيوعية العمالية. ان تلك القوة التي ستلتحق بالخط السياسي للشيوعية، حتى وان كانت ضعيفة في اول الامر، يمكن تحويلها الى قوة كبيرة بسرعة طالما تتمحور حول خط سياسي شيوعي متدخل ومندمج بالحركة العمالية المناهضة للراسمالية. و يصح العكس  ايضا ان كانت قوة كبيرة، فبالامكان ان تضعف بسرعة وتصبح هامشية على صعيد المجتمع.

وفي خلافات من هذا المستوى، يصبح انفصال الشيوعية عن الخطوط الاخرى  امرا لا مفر منه وضروري،  ويصبح في الوقت ذاته سبيلا لتقدم الشيوعية، كما حدث في انفصال البلشفية عن المنشفية  الذي استغرق سنوات طويلة، او انفصال خط الشيوعية العمالية في الحزب الشيوعي الايراني الذي استغرق هو الاخر سنوات عدة من الجدل و الابحاث و تشكيل مركز الشيوعية العمالية وكتلة الشيوعية العمالية، و بعد ان توضحت كل الاختلافات واتخذت اشكالها، وفي كلتي الحالتين كان لفصل الخط الشيوعي اسس للانتشار والاقتدار السريع.

                                                     التقييم

 

ان عنوان البحث هو تقييم اوضاع الحزب في اطار ابحاث البلنيوم ال32 من اجل بناء حزب سياسي موحد. وعلى هذا الاساس، لم ارد و لا اسعى لان اخرج عن هذا النطاق. وبما معناه انه ليس بحثا سياسيا عاما عن كيفيه بناء حزب سياسي موحد، بل هو تقييم محدد  يركز الضوء على تحليل بحث معين في بلينيوم حزبي، ولابد من ان ينظر اليه وفق هذا الاطار. ان الغاية من هذا البحث هو تقوية و دفع للتصورات النقدية للاوضاع  و المكانة السياسية والاجتماعية الحالية للحزب والاسباب التي ادت لاثارتها في هذا البلينيوم.  وان وصول  هذا المسار الى نتيجة  معينة مرتبط بمقدار ما تقف قيادة هذا الحزب و كوادره خلفه واعطاءه قوة دفع اكبر.

 يقف حزبنا في مكانة سياسية سيئة للغاية. لكن المعضلة الاكبر هي كما لو ان الطريدة في مكان، فيما يصوب الصياد نحو مكان اخر. فالحزب لايمتلك سياسة، ولاخطاب، ولا دور وبراكتيك، وبلا تنظيمات او نفوذ او امكانيات و….الخ. وكل هذه هي نتائج وليست اسباب. فالاسباب هي انه لم يعد في الدستور وجود مشروع لتاسيس وبناء حزب سياسي موحد لكي يفكر ويسعى ويخطط لكيفية تامين او كسب كل واحدة منها ويضعها في دستوره. ان مشروع حزب سياسي قد اخلى مكانه لمشروع عمل محفلي وبرزت المحفلية. وبدلا من تقاليد واصول ومباديء وضوابط حزب سياسي، راجت تقاليد وثقة والتزامات واسلوب عمل محفلي ماقبل حزبي. وعلى اساسه، و بدلا من ان يكون هناك حزب موحد ذو براكتيك متحد، شاع استقطاب اخذ بالتشكل  على صعيد الحزب مسبب له شلل تام. ان هذه الاوضاع، وخصوصا بعد  تجربة عمرها ربع قرن، اصابت المجتمع  وصفوف العمال الطليعيين والفعالين الشيوعيين بالاحباط و الشك والتردد، التي ترسخت لا على ضوء تقييمات سياسية وعلمية، بل استنادا للتجربة (امبریزم) وجراء الدوران في حلقة مغلقة وحتى التراجع على امتداد ربع قرن. وفي قلب كل هذه الوضع، فان مكانه الحزب في المجتمع و دوره في الميدان السياسي والعملي والنفوذ والخطاب السياسي وتنظيماته اخذة بالانحدار اكثر فاكثر.

 ففي داخل الحزب، تتواجد  اختلافات في الاراء والتصورات، وهي ظاهرة عادية وطبيعية. لكن اوضاع الاصطفافات وحالة انعدام الانسجام الموجودة في الحزب من قيادته حتى كوادره هي ليست نتيجة لتلك الاختلافات في داخل الحزب  حول سياسة وعمل الحزب تجاه  المجتمع والحركة العمالية والمشكلات التي يواجهها المجتمع  ، بل هي نتيجه اختلافات  ولاانسجام وتراجع عن الاصرار والتصميم على بناء حزب سياسي موحد، ليحل محله اللجوء الى اعادة احياء او الاصح قوله هو رواج القيم المحفلية المقيتة واعادة الدور لها. هذه القيم التي فرض عليها التراجع في السابق في حزبنا،  لكنها لم تقتلع من جذورها في اي وقت من الاوقات . فحسب  التصور المحفلي، ان جزء من قوى الحزب تعد فائضه ولا حاجه لها، و من المستحسن الاستغناء عنها، قوة معيقة، وستوفر الكثير من الراحة اذا ما تم الاستغناء عنها، وان تبقى فقط تلك القوة التى تقبل بالنفوذ، قوة موثوقة و تعمل بمزاج مشترك وتسمع لبعضها الاخر. و لكن من منظور حزب سياسي، تعد  كافة القوى  والشخصيات والافراد و مؤيدي الحزب شيء حياتي و مهم، وليس هناك  قسم فائض عن الحاجة. فالاحزاب السياسيه توجد الثقة بين اعضائها وفي صفوفها لا من خلال الثقة الشخصية بين الافراد وتقارب امزجتهم وعن طريق محاباتهم وتملق بعضهم البعض، بل يتم ايجادها  من خلال الاصرار على التحزب والالتزام  بالمقررات والقوانين الحزبية والثقة بين صفوفه، افراد لايعرفون بعضهم البعض ولم يروا بعضا من قبل. فالتصميم السياسي المشترك هو السبيل الممكن والمثمر لبناء حزب سياسي موحد. فوفق التصورات السائدة، تكون القوى التي لدينا غير منسجمة ومشتتة ومبعثرة وتائهة. ووفق التصور ذاته، لاينتهي مسار التشتت والانشقاقات ابدا، ولايكون بامكاننا بناء حزب سياسي.

 ان التنظير للمحفلية وقيمها والاستقطابات الحالية  بحجة وجود اختلافات  ماهو الا ادعاء   ومقاومة محفلية بوجه التحزب. فالمحفلية تستطيع ان تتعامى عن وجود خلافات و صراعات عديده تعيش بداخلها في سبيل مصلحتها المحفلية. ولكنها، في خارج اطار المحفل، تبحث عن اصغر الامور من اجل ايجاد الاختلافات . الحزب السياسي لا يخشى من الاختلاف ولا يغض الطرف عنه، بل  يقوم بهضمه و يستخلص النتائج منه لتقويه صفوفه

 قد لا تتكرر لنا فرصة تفنيد وانهاء المحفلية و بناء حزب سياسي  كالفرصة التي اوجدتها ابحاث البلنيوم ال 32 .   والادهى من ذلك انه، وبعد تجربة ربع قرن غير مثمرة، فان الفرص والامكانيات امامنا تضيق اكثر و اكثر. تستوجب الفرصة الان ان نشن، وللمرة الاخيرة، الحرب علي المحفلية و جميع القيم غير الحزبية، وان نتمكن من اقتلاع جذورها، وان نعمل مع  كوادر هذا الحزب و الفعاليين العماليين والشيوعيين في مشروع بناء  حزب سياسي موحد، وان نزج في الميدان صفا سياسيا واسعا من الشيوعيين العماليين والعمال المفعمين بالتفاؤل. فالفرصه مازالت متاحة. ان الوصول بهذا المشروع الى نتائج مثمرة لايتم بالطريقة التي  تتصورها وترسمها عقلية اليسار التقليدي الذي يتطلب عقودا واعمار اجيال عده للوصول اليها. فاذا ما اخذنا هذا الامر بتصميم و  بقناعة ووضوح نظر  شيوعي، فاني علي يقين اننا، وبالرغم من الاوضاع الصعبة التي يمر بها العراق والمنطقة، سنجد بعد سنة لا اقول اکثر، اننا قد حققنا منجزات كبيرة متمثلة في مؤتمر سياسي لحزب سياسي موحد. و في اطار هذا المشروع ، ستفقد الكثير من الاختلافات و الصراعات ارضيتها، وان الخلافات الواقعية والسياسية الاخرى الموجودة سيتم هضمها واستخلاص النتائج الايجابية منها لتزيدنا دفعا وقوة وان يتم ادارتها بشكل حزبي. وان ذلك بالنسبه لحزبنا و للشيوعية في العراق هو الحل  الصحيح والممكن، وبامكانه ان يعيد الامل للصف الشيوعي بدلا من تعميق روح التشاؤم الحالية والتبعثر، الامل باولئك الشيوعيين الذين كانوا  لسنوات و مازالوا مستعدين للعمل، بل و للتضحية  بانفسهم من اجل تنظيم الثورة العمالية و تحقيق  طموحات الشيوعيين  ومن اجل  عالم افضل وحر  ومرفه. انني و من خلال اطلاعي علي جميع المشاكل والخلافات الحالية، و حسب فهمي لشيوعيه ماركس، لا ارى وجود اي مبرر يمنعنا من ان نتحد جميعا حول هذا المشروع وان نسند ونقوي  من مكانة بعضنا البعض.، واذا ما عجزنا عن تحقيق ذلك، فاننا سنعرض الحزب الى نتائج خطيرة وسنخرج جميعا خاسرين .

٢٤-٩-٢٠١٦

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here